فموطن الجمال عنده في العمل الأدبي، يرجع إلى ارتباط اللفظ بالمعنى، فلا بد للمعنى الشريف من لفظ شريف، ويريد بذلك أن يفصح عن العلاقة بينهما، فليس في اللفظ وحده، ولا في المعنى وحده، ولكن في العلاقة بينهما، وهي محلّ الصورة الأدبية التي توضح المعنى، وتسمو بالصياغة والتعبير، وليسمها بشر علاقة، أو اهتمام باللفظ والمعنى كما يشاء، لمناسبة التسمية مع ذوق أدباء عصره، ونشأة النقد الأدبي قبل أن يعرف المصطلحات الأدبية.

وهذا الاتجاه قريب من مفهوم الصورة التي تحدَّدت معالمها فيما بعدُ، بل أضاف لما سبق معالم جديدة في مفهومها، منها التلاؤم بين اللفظ والمعنى، وقوة العاطفة، والوحدة الفنية، وتلاؤم الصورة مع العاطفة والمقام والغرض التي ذُكرت من أجله.

يقول أبو سهل بشر بن المعتمر في مناسبة اللفظ للمعنى والتلاؤم بينهما "ومن أراد معنًى كريمًا فليلتمس له لفظًا كريمًا، فإن حقّ المعنى الشريف اللفظ الشريف.. إلى قوله: أن يكون لفظك رشيقًا عذبًا، وفخمًا سهلًا، ويكون معناك ظاهرًا مكشوفًا وقريبًا معروفًا".

أما قوة العاطفة في الأسلوب والصورة يقول فيها: "خذ من نفسك ساعة نشاطك" وفراغ بالك، وإجابتها إياك، فإن قليل تلك الساعة أكرم جوهرًا، وأشرف حسبًا وأحسن في الأسماع، وأحلى في الصدور من فاحش الخطأ، وأجلب لكل عين وقوة من لفظ شريف، ومعنى بديع، وأعلم أن ذلك أجدى عليك مما يعطيك يومك الأطول بالكد والمطاولة والمجاهدة، وبالتكلف والمماودة".

أليس هذا حديث العاطفة في الكلام؟ فإنها لا تتولَّد إلا ساعة النشاط والحيوية والحرارة والانفعال، وعند ذلك تعطى الكثير في وقت قليل، كمًّا وكيفًا في النظم والتصوير، وتتوافر لديها المعاني البكر والألفاظ الغرر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015