تتواءم مع طبعه، وتلتقي مع مزاجه، لأن لكل طبيعة بشرية صنعة تجيد العمل فيها، ولكل فطرة إنسانية حرفة تنقاد لها، فنرى الأديب والشاعر، والخطيب والناثر، والتاجر والصانع، والزارع والصائغ إلى غير ذلك من ألوان الصناعات.
ثم يتزاحم النقاد بعده متأثرين به في توضيح منازل الأديب ومراتب الأدب ودرجاته، يقول أبو هلال العسكري: "إذا أردت أن تصنع كلامًا فأخطر معانيه ببالك وتنوق له كرائم اللفظ1، واجعلها على ذكر منك، ليقرب عليك تناولها، ولا يتعبك طلبها، فإذا مررت بلفظ حسن أخذت برقبته، أو معنى بديع تعلقت بذيله.... وإذا أردت أن تعمل شعرًا فحضر المعاني التي تريد نظمها" إلخ ما سبق ذكره.
ويرى الناقد ابن رشيق أن معاناة الشاعر في شعره أحيانًا تؤدي إلى كدّ فكره، وانصرافه إلى المعنى حتى يبلغ مراده، ويضرب لذلك مثلًا من شعر الفرزدق قال:
فإني أنا الموت الذي هو ذاهب ... بنفسك فانظر كيف أنت محاوله