فلا بدع إذا وجد في أثره الطلب حين أخفقت الثورة؛ إذ رأى فيه توفيق والإنجليز المحرِّضَ الأكبر للثوار وناشر آرائهم، بقلمه ولسانه، ولكنه اختفى من وجه السلطة فلم يعثر عليه؛ لأنه كان يعلم جد العلم أنه لن يغفر له ذنب، أو تقال له عثرة إذا أسر، ولن يجديه الإنكار فتيلًا؛ فأقواله مأثورة، وخطبه مشهورة، والطائف خير شهيد، وسيكون العقاب صارمًا أليمًا، لقد ذل كثير من كبار الثوار والتمسوا الرأفة؛ ولكن عبد الله نديم آثر التشرد والاختفاء على إحناء الرأس، وذلة الطرف، وهو إنما خاض الثورة عن إيمان وعلم.
وقصة اختفاء النديم وحيله التي ضلل به السلطة على الرغم من المكافآت التي رصدتها لمن يأتي به، جديرة بأن توضع في رواية تمثيلية, وستكون رواية غاية في القوة؛ لأنه أجادج التنكر إجادةً يعجز عنها أمهر الممثلين اليوم في بلاد "الخيالة" واسمعه يصف بإيجاز هذا التنكر الذي دام تسع سنين وهو بمصرلم يبرحها, ويمر بين رجال الحكومة، وصنائع الإنجليز دون أن يدركوه، أو يعرفوه1: "خرجت من مصر مختفيًا فدرت في البلاد متنكرًا، أدخل كل بلد بلباسٍ مخصوص، وأتكلم في كل قريةٍ بلسان يوافق دعواى التي أدعيها، من قولي إني مغربيّ أو يمنيّ أو مدنيّ أو فيوميّ أو شرقاويّ أو نجديّ، وأصلح لحيتي إصلاحًا يوافق الدعوى أيضًا، فأطيلها في مكان عند دعوى المشيخة، وأقصرها في آخر