كما أنه ليس للمسلم أن يقتل نفسه ويقول: أنا حر في بدني أفعل به ما أشاء، والدليل على ذلك: ما رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسى سماً -أي: شرب سماً ليقتل نفسه، وما أكثرهم- فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها)، أي: يضرب بها بطنة في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً.
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل نفسه بشيء عذبه الله تبارك وتعالى بما قتل به نفسه)؛ لأن الجزاء من جنس العمل، وامتنع النبي عليه الصلاة والسلام عن أن يصلي على من قتل نفسه، وليس كفراً، وإنما زجراً للأحياء أن يعملوا بعمله، أو أن يهتدوا بهديه ويستنوا بسنته، و (أخبر النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة من غزواته عن رجل لم يدع شاذة ولا فاذة للعدو إلا تبعها وقتلها، فقال الصحابة رضي الله عنهم: والله ما نرى فلاناً إلا من أهل الجنة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: هو من أهل النار، ففزع الصحابة فزعاً شديداً، حتى قال أحدهم: لأتبعنه.
فسار خلفه، فإذا وقف وقف، وإذا أقدم أقدم، حتى أصيب ذلك الرجل بسهم لم يقض عليه، فوضع ذبابة سيفه على صدره واتكأ عليه حتى خرج من ظهره فمات، فعاد الرجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله! إن الرجل الذي قلنا عنه كذا وقلت عنه كذا قد فعل بنفسه كذا وكذا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ثم قال: إن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها).