ويخلط في كلامه ولو لم يرحل ولم يلق أحدا من أهل هذه الصناعة ولا عرف معنى الجزء والمشيخة والطبقة، فإن ذكر لهم متونا قلب أسانيدها وزخرف ألفاظها وموه في أحكامها ومراتبها وركب لها أسانيد من عنده دعوه بخاري العصر ومحدث الزمان، وهذا لعمري ما يوجب المسخ والخسف والطرد عن الله والبعد عن جميل الوصف، فكيف يدعى بالحافظ والمحدث من لا يعرف كيفية النطق باسم راو معروف ولا مسند موصوف، وغاية علمه تركيب أسانيد المتون وعدم خوفه من مغبة ذلك يوم المنون، إلى غير ذلك مما بسطناه وشرحناه شرحا لا مزيد عليه في كتابنا: الأجوبة النبعة عن الأسئلة الأربعة.
وقد قال الحافظ العراقي: الذي يطلق عليه اسم المحدث في عرف المحدثين من يكون كتب وقرأ وسمع ووعى ورحل إلى المدائن والقرى وحصل أصولا وعلق فروعا من كتب المسانيد والعلل والتواريخ التي تقرب من الألف تصنيف، فإذا كان كذلك فلا ينكر له ذلك؛ أما إذا كان على رأسه طيلسان، وفي رجليه نعلان، وصحب أميرا من أمراء الزمان، أو من تحلى بلؤلؤ ومرجان، وبثياب ذات ألوان، فحصل تدريس حديث بالافك والبهتان، وجعل نفسه ملعبة للشيطان، لا يفهم ما يقرأ عليه من جزء ولا ديوان، فهذا لا يطلق عليه اسم محدث ولا إنسان، بل غايته مع الجهالة أكل الحرام فإن استحله خرج من دين الإسلام. اه.
وقال الحافظ فتح الدين ابن سيد الناس: أما المحدث في عصرنا فهو من اشتغل بالحديث رواية ودراية واطلع على كثير من الرواة والروايات في عصره وتميز بذلك حتى عرف فيه خطه واشتهر فيه ضبطه، فإن توسع في ذلك حتى عرف شيوخه وشيوخ شيوخه، طبقة بعد طبقة، بحيث يكون ما يعرفه أكثر مما يجهله منها، فهذا هو الحافظ، وأما ما يحكى عن بعض المتقدمين من قولهم كنا لا نعد صاحب حديث من لم يكتب عشرين ألف حديث في الإملاء فذلك بحسب أزمنتهم. اه.