ولا حاجة بي إلى الإطالة بأنه أبقاه الله استسمن ذا ورم ونفخ في غير ضرم، لكن:
لعمر أبيك ما نسب المعلى ... إلى كرم وفي الدنيا كريم
ولكن البلاد إذا اقشعرت ... وصوح نبتها رعي الهشيم وإذا كان الحافظ الذهبي يقول في تذكرة الحفاظ على رأس السبعمائة: " قل من يعتني بالآثار ومعرفتها في هذا الوقت في مشارق الأرض ومغاربها، أما المشرق وأقاليمه فغلق الباب وانقطع الخطاب، وأما المغرب وما بقي من جزيرة الأندلس فندر من يعتني بالرواية كما ينبغي فضلا عن الدراية ". فكيف يكون حال أبي سالم العياشي الذي يقول أول مسالك الهداية في اهل هذا الشأن: " شغر منهم الزمان، وخلت منهم الأوطان، واتخذ الناس رؤوسا جهالا، وأفتوا بغير علم استسهالا، وتلقوا العلم من بطون الصحف تقليدا، وصار المتشبت بالرواية بينهم بليدا ". قال أبو سالم: " لكن طائفة من الأئمة، وشر ذمة قليلة من علماء الأمة، تفرقوا شذر مذر، ما بين بدو وحضر، لم يزالوا متمسكين بذلك، مهتبلين بما هنالك، والمشارقة أشد اعتناء من المغاربة، وإن كان لهم بالأمر بعض المقاربة " - وهو من أهل المائة الحادية عشرة فيكف يكون الحال وسط القرن الرابع عشر! ولكن إن لم يصبها وابل فطل، ومكره أخاك لا بطل.
أقدم هذه المجموعة التي هي زبدة العمر هدية ثمينة عندي لأهل جيلي والأجيال المقبلة بعدي، وهي جهد مقل على حسب زماني ومكاني، وكثرة مالي من الشواغل والعوارض على التواني، سائلا من المطالع ستر الهفوات وإقالة العثرات:
جزى الله خيرا كل من كان ناظرا ... لمجموعتي هذي بستر القبائح
وأصلح ما فيها من العيب كله ... فهذا الذي أرجوه من كل ناصح