ليخلف تصريح 28 فبراير؟ وما عسى أن يكون هذا التصريح, وما عسى أن يكون مقدار تغييره "للحالة السياسية بين مصر وإنجلترا؟ أتنزل فيه إنجلترا عن التحفُّظات كلها أو بعضها؟ أتنكر فيه إنجلترا كتاب لويد جورج إلى وزراء -المستعمرات؟ أتعدل إنجلترا عن تبليغها للدول تصريح 28 فبراير, وما جاء في هذا التبليغ؟ هل تحقق وزارة الشعب آمال الشعب"1.
وتكشف هذه التساؤلات التي لجأ إليها طه حسين في مقاله التحليلي عن ضرورة اللجوء إلى هذا الأسلوب الاستقرائي التشككي في التحليل، ذلك أن النبأ الذي نشرته صحيفة "الأفكار" نبأ مبتور مستكمل، كما تقدَّم، فهو يكتفي بأن هناك "خطة سياسية جديدة يخفق بها البرق, وتضطرب بها الأسلاك بين لندرا والقاهرة"2، فالأسلوب الذي يلجأ إليه طه حسين في تحليل هذا النبأ، يتجه إلى أن يستقرئ ويضيف إلى النبأ البيانات الخلفية التي لا يعرفها القارئ، والتي لا تكتمل الصورة الخبرية إلا بتسجيلها. ولذلك يتوقَّف طه حسين عند كل "معنى" تغلفه علامة تساؤل؛ ليقدِّم للقارئ الإجابة التي تنساب ضمن التحليل الصحفي، فيحسّ القارئ بعد انتهائه من قراءة المقال أنه فاهم لكل شيء. ويبين إحساس طه حسين بقارئه من خلال التحليل الصحفي، من الخاتمة التي ختم بها مقاله، للإجابة عن التساؤلات التي طرحها في صلب هذا المقال:
"وبينما نحن في هذا التفكير نتساءل عن هذه الخطة السياسية الجديدة, وعن موضوعها ونتائجها، أقبل مقبل فقال: إنك لتكلِّف نفسك عناء لا خير فيه, فليس هناك خطة سياسية جديدة, وكل الأمر أن المفاوضة -إن كان هناك مفاوضة- لا يمكن أن تتجاوز هذا الحادث المؤلم الذي وقع منذ أيام, فكثرت على أثره واشتدت مطالب الإنجليز. فهل هذا صحيح؟
"وما عسى أن يكون موقف الحكومة إزاء هذه المطالب الكثيرة الشديدة؟ أحق أن الأحكام العرفية لن تلقى الآن؟ أحق أن المبعدين لن يعودوا الآن؟ أحق أن المعتقلين لن يخرجوا الآن؟ أترضى الوزارة من الإنجليز المطالب؟ أتقبلها؟ قالوا -ولعلهم لم يصدقوا فيما قالوا: إن الوزارة أمضت هذا الزمن الطويل دون أن تتحدث إلى الإنجليز في أمر الأحكام العرفية, ولا في أمر المبعدين والمعتقلين. وقد نشرت الصحف أن الإنجليز أنفسهم قد تحدَّثوا إلى الوزارة بعد هذا الحادث المؤلم في هذه الأمور كلها, فماذا قالوا؟ وماذا قالت الوزارة؟