تكشف عما تحجب هذه الغيوم من خير أو شر, ولكن الشيء الذي لا شك فيه, هو أن من الواجب العناية بهذه الغيوم وتتبعها في دقة وفطنة، ومن الواجب أيضًا أن يجدَّ المصريون في أن يقفوا منها موقف الصراحة التي لا تحتمل شكلًا ولا تأويلًا، وما الذي يمنعهم من ذلك وآمالهم ومثلهم العليا في حياتهم الداخلية, وفي علاقاتهم الخارجية واضحة كل الوضوح، جلية كل الجلاء، ووسائلهم إلى تحقيق هذه الآمال والوصول إلى هذه المثل العليا لا غموض فيها ولا إبهام1" إلخ.
ومن ذلك يبين أن التحليل يقوم على عناصر توقع، وهو لذلك يحاكم الأمر من جميع وجوهه، واقفًا تجاه الموقف السياسي الذي يتناوله في صلب المقال موقف الباحث المتشكك، الأمر الذي يكشف عن عناصر توقع، تزرع الشك في عقل القارئ، كما يبين من خاتمة هذا المقال: "كل هذه مسائل يخوص فيها الناس من المصريين والأجانب, فتثير في نفوسهم شكوكًا وريبًا, وتخلق جوًّا ردئيًا قوامه سوء الظن وفساد الرأي وضعف التعاون الذي يجب أن يكون بين الذين يعشون على ضفاف النيل من المصريين والأجانب، كلٌّ يرتاب بصاحبه, وكلٌّ يخاف من صاحبه".
على أن التحليل الصحفي في مقال طه حسين حين يسبق وقوع النبأ. يتوسَّل بهذا الأسلوب الاستقرائي الذي يضمن سلامة التحليل، ويسلك طريق العقل والمنطق والمحاكمة، وهي سبل العالم المحقق التي تميز بها في دراساته العلمية، وهي السبل التي توسَّل بها لكي يشعر القارئ بأهمية التحليل من جهة، ولكي يواجه المقتضيات الصحفية والسياسية من جهة أخرى، لما تفرضه من تحيز مسبَّق، وبحيث يبدو المقال التحليلي في نهاية الأمر متخذًا شكل الدراسة للاحتمالات المنتظرة أو المتوقفة.
ولعل من أسباب التجائه إلى هذا الأسلوب في التحليل، اتجاه بعض الوزارات إلى الصمت، وعدم إصدار برامج سياسية واضحة، الأمر الذي يجعل من هذا الأسلوب أسلوبًا محتَّم الاستعمال في التحليل، لما يتيحه من توقع ومناقشة، كما يبين من مقال: "بم يخفق البرق2" السابق الإشارة إليه، والذي يتناول فيه بالتحليل ما ذهبت إليه صحيفة الوزاراة الإدارية قبل صدور دستور 1923، وهي صحيفة "الأفكار" بأن "دار المندوب السامي قد عرضت على الوزارة مطالب, وبأن الوزارة قد عرضت على دار المندوب السامي آراءها في خطة سياسية جديدة, وبأن الأسلاك تذهب وتجيء بالكلام الكثير بين لندرا والقاهرة في هذه الخطة السياسية الجديدة3".