وسيصفحون عن نقدهم فيما يمسُّ الأخلاق، كما يصفحون عن نقدهم فيما يمسُّ السياسة. فإن العفو فضيلة من هذه الفضائل الواسعة التي لا تحصر ولا تقصر ولا تتناول شيئًا دون شيء، ولا تتجاوز إثمًا دون إثم، وإنما هي ميَّالة بطبعها إلى التجاوز عن السيئات جميعًا"1.
وتتصل مهمة الإقناع بهذه الخصيصة التوجيهية في مقال طه حسين الذي يحرص على نقل الإيمان بأفكاره، ولذلك احتلَّ مقاله دورًا قياديًّا في توجيه الرأي العام المصري، فهو لا يكتفي بنقل الأفكار وتفسيرها، ولا ينقل إيمانه بأفكاره بمجرَّدَ حرارة العاطفة، ولكنه يؤثر ويدون لتعلقه "بحرارة الفكر". ذلك أن المقال الصحفي عند طه حسين لم يَعُدْ مجرَّد توجيه بلاغي كما كان في طور التكوين الصحفي، بل إنه على العكس من ذلك ينهج منهجًا خاصًّا في التحرير يقوم على الدليل والبرهان، ويعتمد على الحقائق والأرقام والبيانات والإحصاءات الدقيقة، وهذه هي وسائل الإقناع والتوجيه والإرشاد، وهي تعطيه من القوَّة والتأثير مالًا يمكن أن تحققه الألفاظ الضخمة الجوفاء.