إلى أن يقول: "صدقني إنَّ من الخير الكثير لك ولغيرك أن تصدع قلبك قبل أن تصدعه الأحداث، وأن تفتح قلبك قبل أن تفتحه الخطوب، وأن تُشْعِرَ من حولك من الناس بأنك تجد بعض ما يجدون، وتعتقد مثل ما يعتقدون. إنك مثلهم قد خُلِقْتَ من تراب وستعود إلى التراب، وإن الذين يستوون قبل أن يدخلوا الحياة, ويستوون بعد أن يخرجوا من الحياة, ليسوا في حاجة إلى أن يتمايز بعضهم من بعض, ويبغي بعضهم على بعض، في هذه الطريق القصيرة التي يسلكونها بين المهود واللحود"1.

ومن ذلك يبين أن الرسائل المقالية في صحافة طه حسين ليست موجَّهة لشخص بعينه، بقدر ما هي موجَّهة إلى نماذج بعينها في النظام السياسي والاجتماعي، وهي رسائل قاسية وجريئة، تمامًا كما كانت رسائل مونتسكيو2، في مهاجمة رجال السياسة والحاشية وهو يهاجم الملك، حين يبين لنا كيف تتدهور الملكية بحيث نتلمس "روح القوانين" تعلن عن نفسها في رسائل طه حسين, ونذكر من هذه الرسائل رسالة بعنوان: "مصر بين النعيم والجحيم"3، وأخرى بعنوان: "ويل الشجي من الخلي"4، حيث يتوسَّل بضرب الأمثلة المضادة لتدعيم روح مقاله، وبالسخرية لشحذها, وبالإيقاع المعبر الفني، ومزج هذه الأمور بالنقد الذكي الذي يجعل رسائله المقالية في خطورة "رسائل فولتير"5 التي "أحرقت واضطر صاحبها إلى الفرار إلى اللورين"6.

ويختص طه حسين: "فولتير" و"ديدور" بالحب والإكبار, ويذكر أنهما أثَّرَا في تفكيره تأثرًا كبيرًا, ومَلَكَا عليه حياته العقلية وقتًا ما7, ولذلك نجد في رسائله المقالية، كذلك التوسُّل بالقالب القصصي في الرسالة توسلًا وظيفيًّا "فمن الطبيعي أن يكون الأشخاص الذين تجري على أيديهم أحداث هذا القصص رسائل لا غايات"8. ومن أجل ذلك يغدو الأشخاص في رسائل طه حسين نماذج رمزية يوجه إليها الأغراض التي يسعى إليها، والآراء التي كان يريد أن يثبتها أو أن ينفيها، ومن أجل ذلك أيضًا وجدنا في عناوين رسائله تفسيرًا للنمذجة الرمزية، مثل:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015