اليونانية تتخذ تماثيلها من أبطال الأساطير، ولم يحاول أي عظيم فيها أن يكتب مذكرات تعين عينه الداخلية على تركيز شيء من وجوه التجربة، فلم يحدثنا سقراط نفسه عن حياته الذاتية بشيء ذي قيمة، وليس عند أفلاطون تطور واعٍ للأفكار والمبادئ، وكتبه ليست إلا نظرات متباينة من زوايا مختلفة. أما الجماعة التي تعيش في ماضيها ومستقبلها وتدور حياتها على التخليد والتأبيد، وتسجل سير رجالها على الجدران وفي أوراق البردي وتتخذ مادة تماثيلها من حجارة شديدة الصلابة كالبازلت والجرانيت، فإن إحساسها بالتاريخ عميق دقيق.
ويرد مؤرخ آخر (?) هذا الرأي وينكر الإحساس الدقيق بالتاريخ عند المصريين القدماء لأنهم كانوا يتصورون عالمهم ثابتاً لا يتغير، انبثق من يد الإله خلقاً سوياً كاملاً، فلم تعد الأحداث التاريخية فيه الاهتزازات سطحية في نظام مقرر مستقر؛ وكل شيء في الحضارة المصرية من تأليه للحيوانات والملوك، ومن أهرام وتحنيط، ومن أمثال وحكم، وأشكال من الشعر والفن؟ كل شيء من هذه المظاهر الحضارية يدل على أن الثابت كان في نظرهم هو الشيء الهام الحافل بالقيم، وإن ليس من قيمة للماضي والمستقبل إلا بمقدار تجسد الحاضر لهما.
غير أن هذا الخلاف بين العلماء في تمثيل الإحساس بالتاريخ