فن السيره (صفحة 36)

لان " علم الرجال " علمتهم أن هناك جرحاً وتعديلاً، وإن هناك مرتبة وسطى تجمع بين الجرح والتعديل، ولذلك لم تكن السيرة مدحاً مطلقاً أو ذماً مطلقاً بل كثيراً ما كانت تجمع بين هذين في صدق واعتدال. ذلك لأن من طبيعة الخبر أن يجمع هذين النقيضين، وليس للمؤرخ المنصف إلا أن يذكرهما؟ متجاورين أحياناً؟ دون أن يكلف نفسه مشقة الربط والتحليل، تلك ميزة لا نستطيع أن ننكرها في بعض السير، ونستطيع أن نقول أنها ميزة في كثير من المؤرخين المسلمين أثناء العصور الوسطى. أما في الغرب فقد كانت السيرة تشكو إهمال جوانب الضعف والنقص، وكان من الصعب أن يتصور الناس السيرة شيئاً غير تعداد الحسنات أو تعداد السيئات (?) .

وكانت أسوأ المراحل في تاريخ السيرة الغربية يوم أن تسلمها رجال الدين؛ فتحولوا بها إلى ما تحول بها من كتبوا سير الزهاد والمتصوفة في العالم الإسلامي؟ تحولوا بها إلى إبراز كرامات القديسين وخوارق أعمالهم، وجعلوها نماذج ليس فيها من حياة الشخص المترجم أو تجاربه الإنسانية إلا القليل. واتجهوا بها نحو الوعظ والتذكير، وسخروها للعاطفة الدينية. وهذا وهن كبير يصيب السيرة، لأنها من أقرب الأشكال الأدبية صلة بالذهن فإذا سيطرت عليها العاطفة، عصفت بما فيها من صدق، وإذا تحكمت فيها العاطفة الدينية؟ بوجه خاص -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015