فن السيره (صفحة 143)

الشخصيات التي عرفها في الربع، فكانت الوحدة المستقطبة حول الذات في الجزء الأول أوضح منها في الثاني؛ وعلى الرغم من بعض المواقف العاطفية في الكتاب؛ فإن طبيعة الانسياب فيه، وسرده في ضمير الغائب، قد حققا شيئا من التجرد في الحكم. وباستعمال ضمير الغائب، برئ من مظنة العجب والدعوى والتمجد بالنفس وغير ذلك من الصفات التي يوحى بها ضمير المتكلم. ومما قلل من صراحته إخفاؤه الأسماء، - أسماء الأماكن والناس؟ فأضعف القيمة المكانية وشيئا من القيمة التاريخية في قصة حياته، وأبدى أنه لا يستطيع الجهر بأشياء كثيرة، لأن نفسه منذ الصغر طبعت على الاستحياء والتواري، وانجذبت إلى الرزانة وشدة التحرج: " كان قليل الأكل لا لأنه كان قليل الميل إلى الطعام، بل لأنه كان يخشى أن يوصف بالشره أو أن يتغامز عليه إخوته..... وكان يستحي أن يشرب على المائدة، مخافة أن يضطرب القدح من يده، أو ألا يحسن تناوله حين يقدم إليه " (?) ، وله في هذه النشأة عذر جلي، ولكن هذا لا يعفيه من أمر القوة في الصراحة؛ كما أن ذاكرته متحيزة، لأن طبيعته الحزينة جعلته يذكر كل ما كان ينمي عنده سوء الظن والنقمة، على مر الأيام. غير أن هذا التحيز في التذكر أو التحيز في الاعتراف، ليس غلوا إذا قسناه بما في " ذكريات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015