في سنة 1945م وهي أول سنة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تم إنشاء الجامعة العربية، أُنشئت بإيعاز من إنجلترا لـ مصطفى النحاس باشا، ولماذا تؤيد إنجلترا مثل هذا العمل التجميعي للعرب؟ إنجلترا تريد أن تترك لليهود دولة قبل أن ترحل من المنطقة وهي لا بد راحلة، فاليهود لن يقبلوا بوجودها، وأمريكا لن تقبل بوجودها، ومع ذلك فهي تريد أن تبقي على علاقاتها مع اليهود وأمريكا؛ لأن المصلحة تقتضي ذلك، لكن ما علاقة إنشاء الجامعة العربية بإقامة دولة اليهود؟ كان من المفروض أن يتبادر إلى الذهن أن الجامعة العربية ستكون معوّقة لدولة اليهود، فماذا كانت تريد إنجلترا؟ أولاً: كانت تريد جمع كل دول المنطقة في بوتقة واحدة تؤثر عليها من خلال أصدقائها المقربين، وبالذات ملك الأردن وملك مصر، فإذا نظرت إلى الدول المؤسسة للجامعة العربية تجدها جميعاً محيطة بفلسطين، بل إن هذه الدول المجموعة في الجامعة العربية هي الدول الداخلة في مخطط إسرائيل الكبرى باستثناء اليمن، كانت الدول المؤسسة للجامعة العربية مصر والأردن وسوريا ولبنان والعراق والسعودية بالإضافة إلى اليمن، سبع دول محيطة بالدولة التي يرجى إنشاؤها بعد ذلك.
ثانياً: تريد إنجلترا قبل أن تغادر المنطقة أن تلغي من أذهان المسلمين تماماً فكرة التجمع على أساس الإسلام كما كان يفكر السلطان عبد الحميد الثاني في إنشاء الجامعة الإسلامية، فأرادت تجميعهم على هدف ورباط قومي هو العروبة في مقابل الدولة اليهودية، التي ستُعلن كما أشرنا من قبل اسماً قومياً هو إسرائيل، بدلاً من اسم ديني كدولة اليهود، وبذلك يظل الصراع صراع قوميات لا صراع ديانات.
وشتان! ثالثاً: تريد إنجلترا أيضاً أن يقوم كيان في المنطقة تكون من مهمته التنفيس عن الشعوب، وتفريغ الشحنات الغاضبة عن طريق أخذ بعض القرارات العنترية التي لا يتبعها عادة عمل، وبذلك تهدأ عاصفة الشعوب الثائرة.
رابعاً: وهذه من أخطر النقاط، إذ إن إنجلترا أيضاً أوعزت إلى أصدقائها بأن يجعلوا من ميثاق هذه الجامعة ألا ينضم إليها إلا الدول المستقلة فقط، ولست أدري ما هو تعريف الاستقلال في نظرهم، لكنهم اعتبروا مصر دولة مستقلة مع وجود الإنجليز فيها، واعتبروا الأردن والعراق واليمن دولاً مستقلة مع وجود الإنجليز فيها، واعتبروا سوريا ولبنان دولاً مستقلة مع وجود فرنسا فيها، أما الدول غير المستقلة التي لا يجوز أن تنضم إلى الجامعة العربية فهي فلسطين، وبذلك بتروا فلسطين من الكيان العربي باعتراف الجامعة العربية؛ تمهيداً لإقامة الدولة اليهودية على أرضها.
وإذا اعتقد أحد أن هذه الأفكار لم تكن واردة بكاملها في أذهان إنجلترا والمؤسسين لهذه الجامعة فإن الأيام القريبة جداً قد أثبتت صدق هذا التحليل.