المحور الأولى: الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
والحقيقة يا إخوان! أن ما فعله اليهود بتهجير شعب من أماكن متفرقة في العالم إلى مكان معين لاستعماره، وإخراج أهله منه أو قتلهم؛ يعد جريمة عظمى لم تتكرر في التاريخ إلا في حوادث معدودة، على سبيل المثال: حدثت من قبل في الأندلس، لما طرد وذبح المسلمون على يد الصليبيين الأسبان، وتحولت بذلك الأندلس من مملكة إسلامية إلى دولتين صليبيتين: أسبانيا والبرتغال، وقد أشرنا إلى ذلك في بدء المحاضرات.
حدث ذلك أيضاً في أمريكا: لما طرد الأمريكان الهنود الحمر، وذبحوا منهم عشرين مليوناً، حتى تصبح أمريكا دولة متحضرة على حساب الهنود الحمر.
وحدث ذلك أيضاً في أستراليا، لما فعل الإنجليز نفس الشيء مع سكان البلد الأصليين، كما فعل الأمريكان مع الهنود الحمر، جريمة كبرى، وأخلاق منحدرة، وإنسانية منعدمة.
أريد أن ألفت النظر إلى بعض الحقائق الهامة الخاصة بقضية تهجير اليهود إلى فلسطين: أولاً: مجموعة من الأرقام: عدد اليهود في فلسطين في زمن الخليفة عبد الحميد الثاني رحمه الله -ذكرناه في المحاضرة الرابعة- 4500 يهودي، كان ذلك حتى عام 1909م عند عزل الخليفة عبد الحميد الثاني.
في الفترة التي تولى فيها حزب الاتحاد والترقي الحكم الفعلي -وإن كانت الصورة صورة خليفة رمزي- من سنة 1909م إلى سنة 1917م عند دخول الإنجليز إلى فلسطين وصل تعداد اليهود في فلسطين إلى (50000) يهودي، تخيلوا! تضاعفوا عشر مرات، من أقل من خمسة إلى خمسين.
ومن هنا نعرف قيمة الخليفة، وقيمة الخلافة، لكن لما تكون كل دولة قومية منفصلة؛ فهذه هي النتائج، هذا العدد الخمسون ألف يهودي كانوا يمثلون 8% فقط من عدد السكان في أواخر سنة 1917م يعني: مع كل هذه الزيادة من (4500) إلى (50000) كانوا يمثلون 8% من سكان فلسطين في سنة 1917م، عندما أعطى بلفور وعده كما ذكرنا من قبل.
في هذه المرحلة الجديدة مرحلة التهويد من سنة 1918م إلى سنة 1948م في غضون هذه الثلاثين سنة وصل تعداد اليهود في أوائل سنة 1948م إلى (600000) يهودي، وهو رقم رهيب في بلد صغير كفلسطين، أي: يمثلون نسبة 32% من سكان فلسطين.
ففي كل سنة كانوا يهجرون أفراداً من اليهود، مثلاً: في سنة 1920م هجروا (8000) يهودي، وفي سنة 1924م سنة سقوط الخلافة هجروا (13000) يهودي، وفي 1925م بعد أن أعلنوا سقوط الخلافة رسمياً هجَّروا (34000) يهودي، وهكذا إلى سنة 1948م، وبعد سنة 1948م إلى يومنا هذا ما زالوا مستمرين في نفس السياسة الإحلالية لشعب فلسطين.
ثانياً: نوعية المهجرين: معظم المهاجرين من اليهود كانوا من الشبان الذين ينضمون إلى معسكرات التدريب في بولونيا أو إيطاليا أو النمسا، أو دول أوروبا الشرقية، أي: أن طليعة المهاجرين كانت عبارة عن جيش مدرب.
كان اليهود يرفضون هجرة المعاقين، أو من يحتاجون إلى إعانة اجتماعية، فاليهود لم يكن لهم اهتمام بيهود العالم إلا أولئك الذين يريدون الذهاب إلى فلسطين.
يقول (بن غوريون): لو عرض عليَّ إنقاذ كل أطفال ألمانيا من اليهود إلى إنجلترا أو إنقاذ نصفهم إلى فلسطين لاخترت الحل الثاني، هكذا يقول.
حتى نعرف طبيعة اليهود.
بل كان اليهود يشجعون على الهجرة بأبشع الطرق المتخيلة وغير المتخيلة، فكانوا يتعاونون مع هتلر الزعيم النازي الدموي المشهور، أشد الناس كراهية لليهود، كيف كانوا يتعاونون معه؟ اسمع ولا تتعجب فهم يهود! كانوا يكشفون له عن أماكن اليهود في ألمانيا وفرنسا وبولندا؛ ليقتلهم في نظير ترحيل الشخصيات اليهودية المرموقة إلى فلسطين، مع العلم أن الراغبين في الذهاب إلى فلسطين كانوا أقل من 5% في ألمانيا وفرنسا وبولندا؛ ولذلك قتل عدداً ضخماً من اليهود هناك، سبحان الله! {وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [النحل:8].
خلاصة هذا الانتقاء في التهجير أنه جاء إلى فلسطين مجموعات خاصة من اليهود؛ لتضع الأساس الأول للكيان الصهيوني البغيض، وتأسست بذلك مجموعة من العصابات العسكرية المشهورة: (عصابة الهاجانا): وهي العصابة الرئيسة، بلغ عدد أفرادها في سنة 1948م اثنين وستين ألف جندي، وأصبحت بعد ذلك نواة لجيش الدفاع الإسرائيلي.
(عصابة أرغن) ستة آلاف مسلح.
(عصابة شترن) ثلاثمائة مسلح.
ثالثاً: موقف إنجلترا من المهاجرين اليهود: الإمداد بالسلاح الحديث بصورة مستمرة، التدريب في معسكرات الإنجليز، الإيواء في المستوطنات التي تبنى على أرض فلسطين، إهداء قطع من أرض فلسطين لهم لإقامة المشاريع، الدفاع عنهم والوقوف بجانبهم إذا هجم عليهم الإرهابيون -طبعاً يقصدون الفلسطينيين، أطلقوا على من يدافعون عن بلادهم: إرهابيون- هذا كان موقف إنجلترا من الهجرة اليهودية؛ هذا هو وضع إنجلترا في تاريخ فلسطين.
أذكر أنني كنت أحدث صديقاً في مقاطعة المنتجات اليهودية والأمريكية مساعدة للانتفاضة الفلسطينية، وذكرت له شركة من الشركات الغربية الضخمة، وقلت له: لعل هذا يهودي، ف