نطرح هذا الأمر جانباً، ونعرض سؤالاً ذكرناه من قبل: ما هو دور الأمة كأفراد في قضية فلسطين؟ أول شيء يخطر على الذهن هو التبرع بالمال، والحق أن التبرع بالمال هام جداً، وهو يسهم بالقدر الأكبر في مجابهة المؤامرة الاقتصادية والعسكرية، وهذا شيء طيب جداً، لكن الحق أيضاً أن المال على أهميته ليس هو أهم الأشياء التي يحتاجها أهل فلسطين، بل يحتاجون أشياء كثيرة غيره وقبله، والآن سأقول هذه الأشياء مجملة ثم نفصل فيها تدريجياً إن شاء الله.
الأمر الأول: الذي تحتاجه القضية الفلسطينية هو تحريك القضية بالمفاهيم الصحيحة وبسرعة، بمعنى الدفاع ضد المؤامرة الفكرية.
الأمر الثاني: الدعاء لأهل فلسطين بالثبات والنصر، والدعاء على من ظلمهم بالهلكة والاستئصال، طبعاً بعض الناس قد يستغربون لماذا قدمت فهم القضية على الدعاء؟ أليس من الممكن أن تدعو بشيء لا يرضى عنه الله سبحانه وتعالى، أو تدعو بشيء ليس في مصلحة القضية؟ ألم تسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، فقال رجل من القوم: إذاً: نكثر الدعاء -أي: نكثر من الدعاء- قال صلى الله عليه وسلم: الله أكثر)، هذا الحديث رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
فنحن قد ندعو بشيء فيه إثم يخص قضية فلسطين، مثلاً رجل يذهب ليبيع أرضه فتدعو له بالتوفيق، طبعاً هذا لا يستقيم، رجل يذهب ليقضي على من يجاهد في سبيل الله فتدعو له بالتوفيق، أيضاً هذا لا يستقيم، ذكرني هذا بحديث جاء في الصحيفة مع راقصة تقول: والله أنا بعد كل رقصة أدعو الله أن يوفقني في الرقصة الجديدة، فهي كذا تدعو الله، لكن الله سبحانه وتعالى لا يستجيب لهذا الإثم وهذه المعصية.
أو كالذي يأخذ رشوة ويخاف أن يراه أحد، فيقول: اللهم استر، فهو يدعو الله سبحانه وتعالى أن يستره وهو يأخذ الرشوة ويرتكب المنكر ويفعل الفاحشة، إذاً: لا بد أن نفهم القضية أولاً ثم ندعو بالدعاء المناسب.
إذاً: نرجع نحصي وسائل المساعدة إجمالاً ثم نفصل: أولاً: تحريك القضية بالمفاهيم الصحيحة وبسرعة.
ثانياً: الدعاء لأهل فلسطين، وعلى اليهود ومن عاونهم.
ثالثاً: قتل الانهزامية في نفوس المسلمين.
كثير من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يعتقدون أنه من المستحيل أن يهزم المسلمون اليهود، أو أن يستطيعوا أن يتحركوا قيد أنملة في القضية في هذه الآونة، فهذا إحباط شديد ويأس عند كثير من المسلمين، فدورنا في هذه الفترة أن نقتل هذه الانهزامية وأن نعلي من همة المسلمين وبأسهم.
رابعاً: التبرع بالمال، وسيأتي حديث طويل عنه إن شاء الله.
خامساً: المقاطعة الاقتصادية لكل ما هو يهودي أو من دولة تساعد اليهود.
سادساً: إصلاح النفس والمجتمع.
فالخمسة الأمور الأولى هي لحل القضية في هذا الوقت الراهن، والأمر السادس إصلاح النفس والمجتمع هو إصلاح القضية على المدى البعيد، إصلاح الأصل الذي بسببه هزم المسلمون، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه في وصيته الجامعة لـ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه: إنكم لا تنصرون على عدوكم بقوة العدة والعتاد، ولكن تنصرون عليه بطاعتكم لربكم، ومعصيتهم له، فإن تساويتم في المعصية كانت لهم الغلبة عليكم بقوة العدة والعتاد.
نعم الأصل الذي أدى إلى كل هذا الانهيار في مقاومة المسلمين، وأدى إلى انتصار ثلاثة ملايين أو أربعة ملايين، أو خمسة ملايين من اليهود في فلسطين على مليار وثلث مليار في أرض واسعة وبقاع مترامية الأطراف هو ضعف العلاقة مع الله سبحانه وتعالى، وبعد الناس عن الطاعة وعن الكتاب الكريم والسنة المطهرة.
فهذه وسائل ستة -وغيرها كثير- نفصل فيها إن شاء الله الواحدة تلو الأخرى في هذه المجموعة من المحاضرات.