السؤال الثاني: ما هو المقابل الذي كان يريده تيودور هرتزل من السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله نظير هذه العروض المغرية والمتعددة، هل طلب فلسطين بكاملها، أم طلب القدس، أم طلب جزءاً من فلسطين؟
صلى الله عليه وسلم إن الإجابة عن هذا السؤال توضح مدى ذكاء وإخلاص وعظمة السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، وفي نفس الوقت فهي تثبت أيضاً لـ تيودور هرتزل الدهاء والمكر والحيلة، تيودور هرتزل لم يطلب في مقابل هذه العروض المغرية إلا طلبين فقط: أولاً: مستعمرة صغيرة خارج القدس يستوطن فيها اليهود.
ثانياً: السماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين.
فهو لم يطلب فلسطين بكاملها، ولا جزءاً منها، ولكنه طلب مستعمرة صغيرة فقط خارج القدس حتى يسهل على السلطان عبد الحميد الموافقة.
كما طلب أن يسمح لليهود بالهجرة إلى فلسطين، فقد كانت الخلافة العثمانية كما ذكرنا في الحلقة السابقة لا تسمح بذلك أبداً، مع العلم أن اليهود كانت لهم حرية الحركة داخل كل أملاك الخلافة العثمانية الواسعة الضخمة؛ وذلك لأن السلطان عبد الحميد رحمه الله لم يكن يخشى أن يقيم اليهود دولة في تركيا أو في سوريا أو في الحجاز، ولكنه كان يخشى أو يتوقع أن يقيم اليهود دولتهم في فلسطين.
أيضاً لم يكن السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله يمنع اليهود من زيارة فلسطين للأغراض الدينية، ولكن يجب أن تكون الزيارة مؤقتة ومحددة بوقت ومكان معينين.
إذاً: لم يفلح ذكاء تيودور هرتزل أمام إخلاص وذكاء السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، ورفض بيع فلسطين أو جزء منها ولو كان جزءاً بسيطاً.
نعم، بيعت بعد ذلك لليهود، لكن البيع لم يسجل في صحيفة السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، بل سجل وما زال يسجل في صحائف آخرين ولا حول ولا قوة إلا بالله.