أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم اجعلنا هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين، حرباً لأعدائك سلماً لأوليائك، نحب بحبك من أطاعك ونعادي ونجاهد من خالفك، اللهم ارزقنا شهادة في سبيلك، مقبلين غير مدبرين، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
أما بعد: فمع المحاضرة الخامسة من المحاضرات الخاصة بقضية فلسطين.
وتحدثنا في المحاضرة الرابعة عن مفهوم هام من المفاهيم الخاصة بقضية فلسطين، وهو مفهوم إسرائيل الكبرى، وذكرنا بعض الشواهد والقرائن والأقوال والأفعال التي تثبت أن هذا الفكر فكر حقيقي في أذهان اليهود، وأن الخطر عظيم، وأن الخطب جلل، وأنه إن لم يفق المسلمون فإن العواقب ستكون وخيمة جداً.
وطفنا بكم في ذهن زعيم الصهيونية تيودور هرتزل، وكيف بزغت في ذهنه فكرة إنشاء دولة يهودية، وكيف بذل من أجلها مجهوداً ضخماً، وسافر وحاور وناور، ورغب أحياناً ورهب أحياناً أخرى، ووصل هو وشركاؤه في النهاية إلى فكرة إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} [المدثر:18 - 20]، نعم فكر في عملية قرصنة عجيبة، أن يخرج شعباً من أرضه ليستبدله بشعب آخر.
وذكرنا في المحاضرة السابقة مؤتمر بال، وما انبثق عنه من مخططات محكمة لإرساء دعائم الدولة اليهودية من تشجيع للهجرة، وتنظيم لليهود، وسعي وراء الاعتراف الدولي.
وأشرنا أيضاً إلى موقفه مع الإنجليز، وكيف اختارهم واختاروه لتنفيذ مصالح مشتركة.
وأشرنا أيضاً إلى موقفه من ألمانيا، وكيف فتر القيصر الألماني عن مساعدته، ثم فصلنا الموقف المتشدد للقيصرية الروسية ورفضها التام لمساعدة اليهود، ومسارعتها إلى ذبحهم وتشريدهم واضطهادهم في روسيا.
وختمنا بموقف الدولة العثمانية الرائع حيال محاولة تيودور هرتزل مع السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، وكيف رفض السلطان المسلم بشموخ وعزة العروض اليهودية المغرية، وأصبح من الواضح أن الخلافة العثمانية بقيادة السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله تقف سداً منيعاً أمام الأطماع الصهيونية، ومن ثم فكر اليهود في هدم هذا السد المنيع.
وقبل أن أدخل في تفصيل الكيفية التي حاول بها اليهود هدم الخلافة العثمانية أجيب عن سؤالين خاصين بالحلقة السابقة.