لماذا توافق إنجلترا على مساعدة اليهود؟ ما هي وسائل الضغط التي يملكها اليهود حتى يؤثروا في دولة عظمى كبرى مثل إنجلترا في ذلك الزمان، وحتى تهتم بأمر هؤلاء المشتتين المشردين المكروهين من إنجلترا شخصياً؟ أولاً: عرض تيودور هرتزل على زعماء إنجلترا التحالف معهم في هذه البلاد بعد أن تحالف أعداء إنجلترا مع أصدقاء في هذه المنطقة نفسها، فروسيا في منطقة الشرق الأوسط تحالفت مع الأرثوذوكس الفلسطينيين النصارى في ذلك المكان، طبعاً روسيا في ذلك الزمن كانت قيصرية أرثوذوكسية متشددة جداً، فتحالفت مع الأرثوذكس في بلاد الشرق الأوسط، وبذلك استطاعت أن تنفذ إلى هذه البلاد، وفرنسا تحالفت مع الموارنة وبالذات في لبنان، أما إنجلترا فلم تجد لها حليفاً في هذه المنطقة، فقال تيودور هرتزل: سنكون نحن حلفاء لكم في هذه المنطقة يداً طولى وخادماً مطيعاً.
الأمر الثاني غير المحالفة بينهم وبين إنجلترا: الأموال اليهودية من أكبر وسائل الضغط على إنجلترا، فأكبر بنك موجود في إنجلترا في ذلك الزمن هو بنك روتشلد، كان هذا البنك مشهوراً باسم روتشلد، هذا الرجل يهودي ومن أشد الناس حماسة لفكرة إنشاء دولة لهم في فلسطين، وكان هذا البنك من أكبر الدعائم الاقتصادية في داخل إنجلترا، ولكي تعرفوا حجم البنك اليهودي وقيمته في ذلك الزمن: لما طرحت أسهم قناة السويس للبيع، طرحها الخديوي إسماعيل، وذلك لما أفلس واستدان حتى ينشئ قصوراً لافتتاح قناة السويس، فطرح أسهم قناة السويس للبيع، فتنافست إنجلترا وفرنسا على شراء هذه الأسهم، وكان الخديوي إسماعيل يريد نقوداً لتسديد الديون، فأراد أن يبيع قناة السويس لتسديد هذه الديون.
والعجيب أن إنجلترا وفرنسا الدولتين الكبريتين اللتين تحكمان العالم في ذلك الوقت لم يكن لديهما المال السائل الكافي لشراء قناة السويس، فأسرعت إنجلترا مباشرة كحكومة إلى روتشلد، وأقرضها مالاً سائلاً يكفي لشراء قناة السويس، حكومة دولة عظمى تقترض من رجل يهودي يعيش في إنجلترا.
إذاً: هذا تأثير ضخم جداً يقوم به اليهود عن طريق هذا المال.
إذاً: الأمر الأول: أنهم يشجعون إنجلترا على أن يكونوا حليفاً لها هناك في فلسطين.
الأمر الثاني: يلوحون بالمال اليهودي الوفير لمساعدة إنجلترا.
الأمر الثالث: أقنعوا إنجلترا أنه بإنشاء دولة لليهود في داخل أرض فلسطين يؤمّنون لإنجلترا طريقاً إلى مستعمرات الهند، والهند في ذلك الوقت كانت مستعمرة إنجليزية والطريق لها طويل وبعيد، فاليهود سيؤمّنون طريقاً عبر فلسطين، ثم ينشئون طريقاً حديدياً من فلسطين إلى الخليج العربي، ثم بعد ذلك تنتقل البضائع والجنود وغير ذلك من فلسطين إلى الهند، وبالتالي يسهلون لإنجلترا الطريق إلى مستعمرة من أكبر المستعمرات الإنجليزية في ذلك الوقت.
الأمر الرابع: فلسطين استراتيجياً مكان رائع، فهو مدخل الشرق وقريب من قناة السويس ومضيق الدردنيل في الشمال عند تركيا، فبالسيطرة على هذا المكان وإنشاء دولة مرتكزة لإنجلترا في هذه المنطقة يعيش فيها أعوان وحلفاء يسيطر الإنجليز مستقبلاً على قناة السويس، وبالتالي على البحر الأحمر وعلى مضيق الدردنيل أو البسفور وبالتالي على البحر الأسود، أي: سيطرة على كل المنطقة.
الأمر الخامس: قاله هرتزل في مقولة له مع وزير خارجية بريطانيا، قال: من أجل أوروبا سوف نبني هناك حاجزاً في مواجهة آسيا، وسنكون حراس المقدمة للحضارة ضد البربرية -يقصد بذلك: المسلمين- أي: يقول لهم: أنا سأكون خط الدفاع الأول لكم، فأول ضربة يتلقاها الغرب ستتلقاها إسرائيل، ثم بعد ذلك تصل الضربات إليكم، والحقيقة هذا واقع، فإسرائيل زرعت في هذا المكان لتتلقى ضربات المسلمين وتشغل المسلمين بحربها، وهناك إنجلترا وفرنسا وأمريكا وغيرهم يتحكمون عن بعد في أمن إسرائيل، وإسرائيل تواجه في مقابل إنشاء دولة لهم وكانوا قبل ذلك في الشتات.
إذاً: إنجلترا عندها دوافع قوية وكثيرة لإنشاء دولة لليهود في داخل أرض فلسطين، ولا بد أن تسعى جاهدة لتحقيق مصالحها الشخصية أولاً، ثم لتحقيق مصالح اليهود الغير متعارضة بالمرة مع مصالح الإنجليز، هذا كان موقف اليهود من إنجلترا، وذكرنا أن إنجلترا كانت دولة عظمى في ذلك الزمن، تسيطر على بقاع كثيرة، وتغير من موازين الأرض في ذلك الوقت.