استنشاق رياح النصر بصبر المسلمين وثباتهم

أخي وحبيبي ورفيقي في طريق الله! أتشك في نصر على قوم كهؤلاء؟! أتشك في نصر على جيش غالبيته من الزناة والشواذ؟! أتشك في نصر على جيش أشرب في قلبه حب الخمور والمنكرات؟! أخي وحبيبي ورفيقي في طريق الله! {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران:196 - 197]، {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ} [الأنفال:59].

أخي! يا من تظن أن النصر قد تأخر.

اعلم أن النصر لا يأتي إلا بعد أشد لحظات المجاهدة، ألم تسمع إلى قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف:110]، أي: ظن أقوامهم الكفار أن الرسل قد كذبوا: {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف:110]، في هذه اللحظة التي ظن فيها الجميع الرسول وقومه أن الأمر قد وصل إلى نهايته في التكذيب والظلم والإعراض والشك، في هذه اللحظة التي وصل فيها الأذى للدعاة مداه، وقد ثبت الدعاة على مبادئهم، هنا في هذه اللحظة فقط جاءهم نصرنا، اسمع أيضاً إلى قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:214]، ماذا حدث للذين من قبلكم؟ {مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة:214]، في هذه اللحظة التي بلغ فيها السيل الزبى، وبلغ الصبر نهايته، في هذه اللحظة المجيدة يقول سبحانه: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214].

نعم.

{أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214]، ألم تلاحظ في السيرة النبوية أن أشد لحظات الابتلاء للمؤمنين كانت في غزوة الأحزاب حيث وصفها ربنا بقوله: {وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب:10 - 11]، ألم تلحظ أنه بعد غزوة الأحزاب دخل المسلمون في فتح يتلوه فتح؟ بعد أشد لحظات المجاهدة جاءت الحديبية ثم مكة ثم الطائف ثم جزيرة العرب بكاملها، أمجاد تعقبها أمجاد، وأيام نصر وفرح وتمكين.

أخي! يا من تظن أن النصر قد تأخر.

اعلم أن الأدب مع الله يقتضي عدم استعجاله، وأن حكمة الله البالغة اقتضت أن يختبر أحبابه وأصفياءه، وأن النصر يأتي في وقت يعلم الله فيه أن خير المؤمنين أصبح في النصر وليس في انتظار النصر.

يروي البخاري: عن خباب بن الأرت رضي الله عنه أنه قال: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟) ألم شديد وإيذاء عظيم، جلد وحرق وخنق وشنق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)، سبحان الله! تستعجلون بعد كل هذا التعذيب في مكة، كان خباب بن الأرت يستعجل؟ نعم.

ما زال هناك أشياء أخرى، ما زال هناك ترك للمال وترك للأهل وترك للديار، ما زال هناك صراع ونزال، ما زال هناك جهاد وشهادة.

أخي! يا من تظن أن النصر قد تأخر.

اعلم أن النصر لا يأتي إلا بيقين لا يساوره شك ولا تخالطه ريبة: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحج:15]، أرأيت صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كانوا في الأحزاب لا يأمنون على شيء؟ كيف كانوا محاصرين ومهددين؟ ثم هم يستمعون إلى بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمور تفوق الخيال، فإذا هم مصدقون وبالبشرى موقنون، انظروا كيف يحكي البراء رضي الله عنه: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يضرب الحجر ويقول: بسم الله، ثم ضرب ضربة وقال: الله أكبر! أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمراء الساعة، ثم ضرب الثانية فقطع آخر فقال: الله أكبر! أعطيت فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن، ثم ضرب الثالثة فقال: بسم الله، فقطع بقية الحجر فقال: الله أكبر! أعطيت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015