أدب الغرب مترجمات في (روايات الجيب) مثلاً أكاد أخرج من ثيابي غيظاً وغضباً لهذه المعاني الكريمات تجيء في هذه الكلمات، وأسفاً على هذه العرائس الفاتنات تخرج في هذه الثياب الأخلاق الباليات، وأفكر لو أن الله قيَّض لقصة (ذهب مع الريح) مثلًا أو (الفندق الكبير) أو (الأم) وأمثالها الكثيرات من عبقريات القصص العالمية التي ترجمها كتاب روايات الجيب، ونشكرهم على كل حال على حسن اختيارها، وبذل الجهد فيها، إذ لم يدَّخروا في التجويد وسعاً؛ لكن البلاغة درجات، والكتَّاب طبقات؛ لو أن الله قيض لها قلماً لدناً قوياً، لا يشتد فيجرح ولا يضعف فينكسر، فترجمت بأسلوب عذب بليغ، لا يصح من غير جمال فيجف ويجمد، ولا يحمل من غير صحة فيميع ويسيل، لكان منها لهذا النشئ مدرسة، الله وحده يعلم كم كانت تخرِّج لهذه الأمة من كتاب. وليست العبرة في الترجمة بنقل المعنى المجمل للقصة، بل بنقل التفاصيل الفنية الدقيقة والصناعة الناعمة، وطريقة عرض الفكرة، وأسلوب تصوير المشهد. ولو أن المعنى المجمل هو المقصود للخصت قصة يوسف مثلاً في كلمات وضاع إعجاز السورة وجمالها الإلهي، ولكانت قصص الحب في الأدب متشابهة لا تخرج عن أن رجلاً أحب امرأة حباً عاطفياً أو جسمياً، فوصل إليها أو حيل بينه وبينها؛ فهذه أنواع أربعة للقصص الغرامية ينشأ منها أربع قصص فقط ويكون الباقي كله لغواً، مع أن في كل قصة جوّاً خاصاً بها ودنيا لها وحدها، لا تغني في المتعة الروحية بها قصة منها عن قصة، وما ذاك إلا لاختلاف الدقائق والتفاصيل، ولا يظهر هذه الدقائق والتفاصيل إلا قلمُ بليغ، بصير بمواقع الكلام، عارف بأوجه الدلالة في الألفاظ، له الحاسَّة الخفية التي يفاضل فيها بين الكلمات ويحسن انتقاءها، إذ ربَّ كلمتين بمعنى، وبين إحداهما والأخرى مثل ما بين البلاغة والعيّ. ورب كلمة في لسان لها جوٌّ ولها مدلول، وتحيط بها ذكريات عند أهل ذلك اللسان، لا يمكن أن تجيء بها مرادفتها في اللسان الآخر، ومن هنا علت بعض النصوص كالقرآن مثلاً عن الترجمة واستحال أن تنقل إلى غير لغتها.
***