(قدر مشترك) بين أبناء الشعوب المتمدنة كلها، ليست لشعب ولا لجيل، لأنها حديث القلوب فهي لكل ذي قلب، ولغة القلوب واحدة وإن اختلفت الألسنة وتعددت البلدان، فما يليق بأمة لها شعور وكرامة وعقل، أن تجهل هذه الكتب ولا هؤلاء الرجال.
...
أكتب هذا تعليقاً على مقالة الأستاذ الزيات في العدد الماضي من الرسالة.
ولقد عادت بي مقالة الأستاذ إلى أيامي الخوالي حين قرأت قصة (رفائيل) أول مرة، بإذن أستاذنا شيخ أدباء الشام سليم الجندي، وكان يحرم علينا أن نلمَّ بشيء من الأدب الحديث أو ننظر في جريدة من الجرائد، قبل أن نتمكن من الأدب القديم، ونألف الصياغة العربية، وتستقيم مَلَكاتنا على طريق البلاغة السويِّ خشية أن تدخل جراثيم العجمة إلى أسلوبنا، وأن يفشو الضعف في بياننا، فلما سألته عن قصة رفائيل غداة صدورها هل أقرؤها؟ نظر فيها ثم أذن لي بقراءتها لأنه رآها بليغة الأسلوب، صافية الديباجة، سليمة اللغة، سامية البيان، فكانت من أوائل ما قرأت من الأدب الحديث بعد (النظرات) لا أستطيع أن أصف أثرها في نفسي ولا في خيالي ولا في قلمي تلك الأيام، ولا أملك حتى الإلمام بذلك إلماماً، لأنه شيء فوق الوصف وإنما أعترف أنها أحد المصنفات القلائل التي كانت غذاء أدبي من الكتب الجديدة بعد أن غذيته بأمهات كتب الأدب القديم. وقرأت (آلام فرتر) فكان لها مثل ذلك الأثر؛ ثم افتقدت هذا اللون من الأدب فلم أجده؛ ثم وجدت شبهه في مثل (عطيل) مطران و (مرجريت) زكي و (فاوست) عوض وإن كانت هذه من قماش وتلك من قماش، وإن اختلف النسج وتغيَّرت الديباجة، وأمثال (تأبين فولتير) التي نقلها المنفلوطي إلى العربية بقلم أحسب لو أن (هوغو) كان عربياً ما كتبها بأبلغ منه (?)؛ كما أن لامارتين لم يكن ليكتب قصته ولا جوت كتابه، خيراً مما كتبهما الزيات ولو خلقا عربيين من أبين العرب. وإني حين أقرأ اليوم هذه الروائع من