لطلاب البكالوريا لا تبلغ أن تعدَّ في الدراسات القوية التي تستند إلى طريقة في البحث معروفة، وتكشف عن نواح مجهولة من حياة الأديب الذي تبحث عنه ومن أدبه؛ ثم إن هذه الكتب نفسها إذا قيست بمدينة كدمشق، في مدة طويلة كهذه المدة، لا تعدو أن تكون أثراً ضئيلاً لا يدل على حياة ... وهذا الأثر على ما فيه من ضعف ينحصر في فنين من فنون الأدب هما: القصة التاريخية، والدراسة التحليلية؛ أما سائر فنون الأدب كالقصة التمثيلية، والأقصوصة القصيرة، والصورة الوصفية، والمذكرات الأدبية، والتأملات الفلسفية والشعرية، والدواوين القيمة، والخطب البليغة، وغيرها من فنون الأدب، فلا نكاد نجد لأدباء دمشق فيها أثراً يذكر.
من أجل ذلك لم أقل إن في دمشق حياة أدبية، لأن ما نحن فيه ليس بالحياة ولا يشبه الحياة، ولم أنف هذه الحياة لأن في دمشق أدباء ينتجون، أو يستطيعون أن ينتجوا شيئاً، وإنما أقول إن أدباء دمشق في منزلة بين الموت الكامل، والحياة الصحيحة، هي السبات العميق، والنوم الطويل الذي يشبه نوم الضفادع طول الشتاء، إذ تدخل في ثقب من الثقوب، فتلبث الفصل كله كأنها قطع الحجارة، لا تأكل ولا تشرب، ولا تنق ولا تتحرك ...
وإلا فما يصنع كتاب دمشق وشعراؤها؟ وأين هي منتجاتهم الأدبية؟ وهل يكفي الشاعر أن يقول كل خمسة أعوام قصيدة واحدة تضطره إليها المناسبات اضطراراً، ثم لا يكون فيها أثر من نفسه، ولا تصف شيئاً من عواطفه؟ وهل يكفي الكاتب أن ينشر كل عامين مقالة تطلب منه، أو مقدمة كتاب يسأل كتابتها؟ بل هل يستطيع أن يملك لسانه الشاعر فلا يقول شيئاً وهو يرى كل يوم ما يُنطق الصخر بالشعر من مصائب الأمة ونكباتها، بل وهمومه هو ومصائبه وما يشاهده في حياته في بيته، وحياته في عمله؟ .. أليس في حياته سرور وألم، وأمل وقنوط، وضحك وبكاء؟ أفيضحك الشاعر فلا يغنِّي، ويبكي فلا ينوح، وتهز قلبه الحادثات فلا يقول شيئاً؟ أنا لا أستطيع أن أتصوَّر كاتباً أو شاعراً، لا يكتب ولا ينظم، وكل ماحوله يهيج نفسه، ويثير عاطفته ...
إن أدباءنا يحتجُّون بأنهم لا يجدون مكاناً ينشرون فيه، وإذا لم يجد الأديب