فكر ومباحث (صفحة 148)

بك صديقي، ونسيت أن خليل بك في منزلته الأدبية أحق الناس بتقدير النقد وتشجيعه. إذا كان نقداً فنياً صحيحاً ...

ويمنع بعض جرائدنا من نشر النقد، أن بعض القائمين عليها لا يفهمون من الأدب إلا الشهرة الواسعة، والألقاب الطنَّانة، فإذا سمي النشاشيبي «أديب العربية الأكبر ...» وأطلقت ذلك خمس جرائد تعيش من فضلات ماله، كان معنى ذلك أن الأستاذ النشاشيبي منزَّه عن النقد، مبرَّأٌ من الذم، لا يجوز أن تكتب في جريدة كلمة تسوؤه، ولو ألَّف هو كتاباً سمَّاه، الإسلام الصحيح. فأساء فيه إلى الإسلام، وسفَّه الأمة، وضلَّل المسلمين كلهم منذ أحد عشر قرناً. وجعلهم جهلة مخرِّفين، وحمقى جاهلين خفي عليهم الحق ... فلم يروه حتى يتدارك الله الإسلام بهذا النشاشيبي ليأتي في آخر الزمان! فيرجع إلى الأصول، ويفهم منها ما لم يفهمه أحد من زمن الشافعي إلى زمان الناس هذا! ...

على أن الأمر لو وقف عند الجرائد لهان الأمر وسهل الإصلاح، ولكن هذا المرض قد سرى إلى الأدباء ... إلى الأدباء الكبار على وجه التخصيص، فغدوا يفزعون من النقد، ولو كان مسّاً رفيقاً، وغدا أديب كبير منتج هو الأستاذ معروف الأرناؤوط الذي يعدُّ في رأس الأدباء القليلين الذين قاموا بما يطلب منهم أو بأكثر مما يطلب منهم، هذا الأديب قد غضب من جملة كتبتها عنه في فصل (الحياة الأدبية في دمشق) المنشور في الرسالة، وعاتب عليها مرَّات كثيرة ... فما بالك بمن ليس في منزلة (معروف) وفهمه للأدب، إن مثل هذا يعادي الناقد، ويقيم له حرباً، على كلمة نقد ...

من أجل ذلك مات النقد في بلادنا، وجهله الناس: ولم يبق من يفرق بينه وبين السبِّ والشتم ويعلم أن الذي ينقد ليس عدواً ليسبَّ ويشتم؟ ولا خصماً يريد أن يهدم الأديب الذي ينقده، ولكن الذي ينقد أديب له ميزان حساس. وصنجات موزونة، وعنده مثل أعلى فهو يقيس عليه القطعة التي ينقدها ويبينِّ مقياسها ويعطيها ما تستحق من التقدير.

هذا هو النقد الذي سأكتبه، وسأجتهد أن أدنو به من قواعد النقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015