نشرت سنة 1932
هذا حديث أوجِّهه إلى الطلاب التجهيزيين المحرومين من دروس الإنشاء، والذين يكلَّفون بكتابة المقالة (أو الوظيفة) في الموضوع الثقيل الذي لا يألفونه ولا يفهمونه من غير أن يكون أمامهم ما ينسجون على منواله، ويقتفون أثره، ومن غير أن يكون تحت أيديهم من القواعد ما يعلِّمهم كيف يسيرون، وهم في حالهم هذه كالرجل يريد أن يعلِّمه أبوه السباحة فلا يزيد على إلقائه في الماء وأمره بأن يسبح!
ولكنه يموت قبل أن يتعلم السباحة، ويملُّ هؤلاء قبل أن يتعلموا الكتابة ولست أريد انتقاص الأساتذة أو احتقارهم.
وبعدُ، فماذا يصنع المدرِّب القدير ليعلِّم السباحة؟ أيلقي الطالب في الماء فيدعه يختنق؟ لا، بل هو يبدأ بالقواعد الأصلية وهو على الشاطئ ثم ينزل معه إلى الماء، فيبدآن بالمكان السهل الضحل، فيشرح له كيف يسبح، ويعاونه ويصلح أخطاءه، ويضرب له الأمثلة من نفسه ليرى كيف تكون السباحة الجيِّدة، ثم يدعه يسبح مستقلاً.
وهكذا يكون معلم الإنشاء القدير، يبينِّ لتلاميذه أنواع الإنشاء: من (الإنشاء الخطابي)، إلى الإنشاء الوصفي، إلى الإنشاء القصصي، وكيف أن الأول يعتمد على العاطفة الثائرة والجمل القصيرة ذات الرنَّة الموسيقية، وكيف أن للقصة عناصر لازمة هي الحادثة وظروفها (زمانها ومكانها) وأشخاصها، وكيف أن للقصة أنواعاً مختلفة كالمأساة (Tragédie) التي تنتهي بفاجعهَ مؤلمة، والدرام والمهزلة (Comédie) وكيف أن الإنشاء الوصفي يكون خيالياً