الشهادة انصرفوا عنهم وعدُّوهم إخوانهم لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، لا فرق بين أمير المؤمنين وآخر مسلم في أقصى الأرض؛ كلهم سواء في الحقوق والواجبات، ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى. وإن لم يقبلوا بالإسلام عرضوا عليهم الجزية، وهي أقل بكثير مما كانوا يدفعونه إلى ملوكهم وأمرائهم، وسموهم ذميين لهم ذمَّة المسلمين، وأعطوهم الحرية في أمور دينهم ودنياهم، وتعهدوا لهم بالأمن الداخلي والخارجي. وإن أبوا أن يعطوا الجزية حاربوهم ... ثم لم يكرهوا أحداً على الإسلام لأن في صحة الإسلام وفوائده في الدنيا والآخرة ما يغني في الدعوة إليه عن السيف. وما (دين محمد دين السيف) كما يهتف العامة والجاهلون، ولكنه دين العقل والمنطق والعلم، والمسلمون عامة دعاة مرشدون، ولكنهم دعاة أقوياء يحملون القرآن بيد، والسيف بالأخرى، فمن قبل فما كانوا ليحاربوه، ومن أبى وحاربهم أدَّبوه حتى يرجع إلى الحق، ويجنح إلى السلم.
ثم إن معاملة المسلمين للذميين، ووفاءهم بعهودهم، وصدق وعودهم وكرمهم وتسامحهم الذي شهد به الأصدقاء والأعداء؛ وصار أشهر من أن يذكر ما يؤكِّد طبيعة «الفتح الإسلامي» ويرفعه عن أن يقاس به فتح آخر!
وهذه هي التواريخ فاستقروها واحكموا!.
***