حتى أنه لما نشأ محمد أمين (ابن عابدين) وأَنِسوا منه الميل إلى العلم، وعرفوا فيه الذكاء المتوقِّد، والعقل الراجح، خافوا منه فذهبوا يقنعون أباه -وكان أبوه امرأً تاجراً- ليسلك به سبيل التجارة، ويتنكَّب به طريق العلم، وجعلوا يكلِّمونه، ويرسلون إليه الرسل، ويكتبون إليه الكتب، ويستعينون عليه بأصحابه وخلصائه ولكن الله أراد بالمسلمين خيراً، فثبت الوالد فكان من هذا الولد المبارك، ابن عابدين صاحب «الحاشية»، أوسع كتاب في فروع الفقه الحنفي.
بل أرادوا أن يصرفوا أستاذنا العلَّامة محمد بن كرد علي عن العلم، فبعثوا إليه بشقيقين من آل ... بشقيقين قد ماتا فلست أسميهما، على رغم أنها قطعا عن العلم أكثر من أربعين طالباً -فما زالا بأبيه - ولم يكن أبوه من أهل العلم- ينصحانه أن يقطعه عن العلم، ويعلمه مهنة يتكسَّب منها، فما في العلم نفع، ولا منه فائدة ... ويلحَّان عليه ويلازمانه، حتى ضجر فصرفهما فكان من ولده هذا، الأستاذ كرد علي أبو النهضة الفكرية في الشام وقائدها، ووزير معارف سورية (?) ومفخرتها، والذي من مصنَّفاته: خطط الشام، وغرائب الغرب، والقديم والحديث، والمحاضرات، وغابر الأندلس وحاضرها، والإدارة الإسلامية، والإسلام والحضارة العربية .. والمقتبس ... ومن مصنفاته: «المجمع العلمي العربي بدمشق»، ومن مصنفاته هؤلاء «الشعراء والكتَّاب من الشباب»!
ولعل في الناس كثيرين كانوا لولا الاحتكار والتثبيط كابن عابدين أو ككرد علي. وها هو ذا العلامة المرحوم الشيخ سليم البخاري مات وماله مصنفٌ رسالة فما فوقها، على جلالة قدره، وكثرة علمه، وقوة قلمه، وشدة بيانه؛ وسبب ذلك أنه صنَّف لأول عهده بالطلب رسالة صغيرة في المنطق، كتبها بلغة سهلة عذبة، تنفي عي هذا العلم تعقيد العبارة، وصعوبة الفهم، وعرضها على شيخه، فسخر منه وأنَّبه، وقال له: