الآخرين إلا بإذن من أصحابها {حتى تستأنسوا وتسلِّموا على أهلها} ولو كانت خالية {فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها} باستثناء حالة واحدة {ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة فيها متاع لكم}.
فكفَّ المؤمنون عن إزعاجه صلى الله عليه وسلم بدخول بيته في أوقات راحته، ولكنهم (أي بعضاً من أعرابهم) صاروا ينادونه من وراء الجدران ليخرج إليهم، وفي ذلك إزعاج أكبر فأنزل الله فيهم: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون. ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم}.
ولمَّا توفي رسول الله سار خلفاؤه على طريقه، فلم يختبئوا وراء الأبواب، ولم يحتموا بالحجاب، ولم يمنعوا ذا الحاجة، وإذا قرأتم أن (يرفأ) مثلاً كان حاجب عمر، وأن عثمان حجب أبا سفيان مرة، وأمثال هذه الأخبار، فالمراد منها أن هذا الحجاب كان على المساكن الخاصَّة، في غير أوقات العمل، وهو حق للناس جميعاً، ولولاه لما ترك الناس الخليفة ينام أو يستريح أو يجالس أهله، أما النهار كله فكان لأمور الرعية، ومصالح الناس. لا يحول باب بين الخليفة وبين الناس، ولا يحجز بوَّاب.
ولما اتَّخذ سعد أمير العراق داراً لنفسه في الكوفة، وجعل لها باباً مغلقاً بعث عمر محمد بن مسلمة (المفتِّش الإداري العام) فأمره أن يكسر الباب ويرجع.
وأول من اتَّخذ لنفسه مظاهر السلطان وحوَّلها من خلافة إسلامية، إلى ملكية قيصرية، هو معاوية، وإن لم يتَّخذ من هذه المظاهر إلَّا الشيء القليل الذي تحتمله طبيعته العربية، وطبيعة هذا الشعب العربي، الممعن في فكرة المساواة، الذي يأبى على الأمير أقلَّ امتياز ولا يطيقه، وكان من ذلك اتَّخاذه الحاجب.
رفض الناس هذا الحجاب الخفيف وأبوْه. وغضب منهم كرامهم، وقالوا فيه شعراً كثيراً، منه قول عبد العزيز بن زرارة، وكان يسمَّى فتى العرب: