بعد التسليم بأن سهم المؤلفة قلوبهم من مصارف الزكاة الثمانية والمنصوص عليه بقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].

اختلف العلماء في بقاء هذا المصرف من مصارف الزكاة أو عدم بقائه بعد أن أوقفه عمر -رضي الله عنه- وهذا هو محل الخلاف في المسألة.

فقد ادُّعِيَ الإجماعُ على سقوط هذا السهم بما قاله عمر -رضي الله عنه- للأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن، ومنعه لهما منه، وقد فعله بمحضر من الصحابة من غير نكير عليه منهم.

وقد عُورِضَتْ دعوى الإجماع بأنه لا يسلم؛ لأنه لا يُنْسَخُ، ولا يُنْسَخُ به، ولو سلم لكان في عيينة والأقرع فحسب؛ لعدم حاجة أهل الإسلام إليهما بعد العزة والتمكين.

ولا يمتنع أن يكون بالمسلمين في ديار الأقليات حاجة تدعو إلى تألُّفِ الكفار بأموال الزكاة، وإيقاف العمل بهذا السهم ليس نسخًا للحكم، وإنما هو تخلُّفٌ له؛ لعدم وجود علته ومقتضيه.

ومما ينبغي أن يُعْلَمَ أن المؤلفة قلوبهم صنفان: مسلمون، وكافرون.

فأمَّا المسلمون فصنفانِ أيضًا: صنفٌ كانت نياتهم على الإسلام ضعيفة فتألفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - تقويةً لنياتهم.

وصنف كانت نياتهم حسنة فَأُعطوا تألُّفًّا لعشائرهم من المشركين.

وأما المشركون فصنفان كذلك:

صنف يقصدون المسلمين بأذى فتألفهم دفعًا لأذاهم؛ مثل عامر بن الطفيل.

وصنف كان لهم ميل إلى الإسلام تألفهم بالعطية؛ ليؤمنوا، كصفوان بن أمية (?).

فهم "رؤساء قومهم من كافر يرجى إسلامُه، أو كفُّ شرّهِ، ومسلم يرجى لعطيته قوةُ إيمانِهِ، أو يرجى إسلامُ نظيرِهِ، أو نصحُهُ في الجهاد، أو الدفعُ عن المسلمين، أو كَفُّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015