المتأهلون من الفقهاء، والمجتهدون من العلماء لهذا الواجب، إبراءً للذمة، وطلبًا للمعذرة عند الله، وقيامًا بحق قوله تعالى: {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ} [التوبة: 122].
3 - ومن ثمرات الاشتغال بفقه النوازل بالنسبة للفقيه المجتهد تحصيل الدُّربة على تخريج الأحكام؛ وذلك لأن تلك المستجدات المعاصرة غير منصوص على حكمها، فلا سبيل لاستنباط الحكم إلا بالتخريج على ما يشابهها من وقائع، وكما لا يكفي العلم بالقوانين الرياضية دون التدريب عليها لحلِّ مسائلها، وفك غوامضها، فكذلك لا يكفي العلم بالقواعد الأصولية والفقهية دون التدرب على تطبيقها، واستعمالها في إدراك الأحكام الشرعية، وشحذ الذهن، وتقوية الملكة الفقهية، وقد عني أبو حنفية -رحمه الله- بتدريب خواص تلاميذه على هذا المنهج بطرح المسائل عليهم، ومناقشة الأحكام معهم، وتصحيح الصحيح، وتزييف الزائف، كما عرف ذلك عن المالكية في القضاة المشاوَرين، وهم العلماء الذين يحضرون مع القاضي في مجلسه ليستشيرهم القاضي شفاهة أو كتابة في المسائل التي ينظرها بين الخصوم، حتى بلغت عدَّة المشاوَرين في قرطبة خمسة عشر فقيهًا (?).