ودرس النوازل المستجدة وتقرير أحكامها في كل زمان ومكان، بما يحقق مصلحة الإنسان، هو برهان ساطع متجدد على إعجاز التشريع.
يقول الرافعي: "وما أشبه القرآن الكريم في تركيب إعجازه وإعجاز تركيبه بصورة كلامية من نظام هذا الكون الذي اكتنفه العلماء من كل جهة وتعاوروه من كل ناحية، وأخلقوا جوانبه بحثًا وتفتيشًا، ثم هو بعدُ لا يزال عندهم على ذلك خلقًا جديدًا ومرامًا بعيدًا وصعبًا شديدًا" (?).
ومن أوضح صور الإعجاز التشريعي أنه لا تنزل نازلة ولا تجدُّ حادثة إلا ولها حكم يُلتمس في نصوص هذه الشريعة مباشرة، أو تُلحق الحادثة بنظيرتها إلحاقًا، أو تندرج تحت قاعدة فقهية كلية، أو يدرك حكمها بالنظر إلى قانون المصالح وقواعد الاستصلاح، وغير ذلك من موارد الأدلة في الشريعة الإسلامية، ولا يوفق لإقامة هذا البرهان، وإظهار هذا البيان؛ إلا متضلِّعٌ من علوم الشريعة ريَّان.
وهذا ما أشار إليه الإمام الجويني (?) بقوله: "فلو قال قائلٌ: ما يتوقع وقوعه من الوقائع لا نهاية له، ومآخذ الأحكام متناهية، فكيف يشتمل ما يتناهى على ما لا يتناهى، وهذا إعضال لا يبوء بحمله إلا موفق ريَّانٌ من علوم الشريعة" (?).
وهذا الإعجاز التشريعي إنما يظهر ويثبت عن طريق الفقه الإسلامي، الذي حقيقته عمل الفقهاء المجتهدين في نصوص الوحيين، إدراكًا للعلل والحكم، واستنباطًا للأحكام، وتخريجًا عليها، ومراعاة للمصالح والأعراف والعادات.