إن الشريعة التي قطب رحاها يدور على جلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها -في كل زمان ومكان- هي شريعة معجزة، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، وإذا كان بعض الفقهاء قد قال: إن الشريعة ما وضعت إلا لتحقيق مصالح العباد في العاجل والآجل ودرء المفاسد عنهم (?)، فإن منهم من قال بحق: إن الشريعة كلها مصالح، إما درء مفاسد أو جلب مصالح (?).
إن طرفًا من إعجاز هذه الشريعة ينبع من صلاحيتها لكل زمان ومكان وإنسان، ولا تكون كذلك حتى تكون مبنية على اليسر ورفع الحرج، {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185].
وطرف آخر من إعجازها ينشأ من شمولها لجميع مناحي الحياة، فلا تترك شاذة ولا فاذة من أعمال المكلفين إلا وضبطتها بما يحقق منفعتهم، ويلائم فطرتهم، ويناسب واقعهم، قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89].
ذلك أنها شريعة الله للإنسان، قال سبحانه: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1]، ثم إن هذه الشريعة على شموليتها وسعة جوانبها وتعدد عطائها في كل ميدان، لا تتعارض أجزاؤها، ولا تتضارب أحكامها، ولا تتنافر مبادؤها؛ فهي التناسق والتكامل والتوازن، والإحكام في الأحكام، وكما أن الكون على اتساعه وتنوع ممالكه ودوران أفلاكه ينتظم ولا يضطرب، فكذا هذه الشريعة في تناسق أحكامها واستقرار بنائها.