ومن غير شكٍّ فإن المذاهب الأربعة وما دُوِّن فيها من ذخيرة فقهية وثروة علمية تمثل تراثًا ثريًّا ومصدرًا غنيًّا، لا غنى لباحث في المسائل المعاصرة عنه.
وفي المطلب الآتي مزيد إيضاح، وبيان لتلك الأصول التي ظهر اعتماد الأئمة الأربعة عليها في إدراك الأحكام، وبناء منهج الاستنباط لنوازل المسائل والأقضيات.
لقد اتفق الأئمة الأربعة وأتباع مذاهبهم من الفقهاء على اعتماد الأصول الأربعة لمصادر التشريع، وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وإن وجدت بينهم اختيارات خاصة في مسائل أصولية تتعلق بهذه المباحث الأربعة والمصادر العامة للتشريع، وانفرد بعضهم بالعناية بأصول أخرى إضافية، وعرف في مذهبه الفقهي التعويل عليها والاستناد إليها.
فمالك إمام دار الهجرة يعتبر إجماع أهل المدينة ويعده حجةً شرعية ودليلًا من الأدلة المعتبرة خلافًا لبقية المذاهب الفقهية؛ وذلك لأنه رأى أن الناس تبع لأهل المدينة من المهاجرين والأنصار؛ ولما اختصهم الله به من هجرة نبيهم إليهم وحياته بين أظهرهم وحضورهم الوحي والتنزيل، ومعرفتهم بالفقه والتأويل.
حتى قال مالك -رحمه الله- في رسالته إلى الليث -رحمه الله- (?): "فإذا كان الأمر بالمدينة ظاهرًا معمولًا به لم أر لأحدٍ خلافه، للذي في أيديهم من تلك الوراثة التي لا يجوز لأحدٍ انتحالها ولا