وعليه فقد دارت تعريفات الأصوليين للاستحسان حول معنى استثناءِ جزئيةٍ ما من حكم دليل، أو قاعدة أغلبية (?)، دون تعرض في أغلب التعريفات للداعي والحامل على هذا الاستحسان، أو المعنى المشترك الذي يربط بين الأدلة التي يتحقق بها هذا الاستثناء، ولا شك أن هذا الاستثناء إنما دعا إليه وجود الحرج أو المشقة والعنت، وجدير بالذكر أن السرخسي في "المبسوط" قد تناول التعريف نقلًا عن بعض شيوخه بعبارات تدل على اعتبار المشقة أو الحرج وما يقتضيه ذلك من التخفيف، فقال: "كان شيخنا الإمام يقول: الاستحسان ترك القياس، والأخذ بما هو أوفق للناس، وقيل: الاستحسان طلب السهولة في الأحكام فيما يبتلى به الخاص والعام، وقيل: الأخذ بالسعة، وابتغاء الدَّعة، وقيل: الأخذ بالسماحة، وابتغاء ما فيه الراحة" (?).
وهذا القدر يكفي في بيان ارتباط الاستحسان بقاعدة: "المشقة تجلب التيسير"، بل قد صرح السرخسي بذلك حين قال: "وحاصل هذه العبارات أنه ترك العسر لليسر، وهو أصل في الدين، قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: لأبي موسى ومعاذ -رضي الله عنهما-، حينما وجههما لليمن: "يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، بَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا" (?) (?).
وإذا كان الكرخي الحنفي عرف الاستحسان بأنه: العدول في مسألة عن مثل ما حكم به في نظائرها إلى خلافه لوجه أقوى، فإن هذا الوجه هو التخفيف الذي تقتضيه