الثاني: ما ينقدح في نفس المجتهد ولا يقدر على التعبير عنه.
"وبطلان هذين التعريفين ظاهر؛ لأن المجتهد ليس له الاستناد إلى مجرد عقله في تحسين شيء، وما لم يعبر عنه لا يمكن الحكم له بالقبول حتى يظهر ويعرض على الشرع" (?).
وإذا كان العقل لا يستقل بالتحسين، وما ينقدح في النفس لا يكون مقياسًا؛ فإنه من المستبعد أن يقصد العلماء من الاستحسان ما يستحسنه المجتهد برأيه، أو أنه دليل ينقدح في نفس المجتهد تعسُر عبارته عنه (?).
وعليه فإن هذين الاتجاهين في فهم الاستحسان وتعريفه مرفوضان.
الثالث: هو العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل خاص يقتضي ذلك.
وهذا هو التعريف الصحيح الذي قصده القائلون بالاستحسان.
ومن التعريفات الصادرة عن هذا الفهم الصحيح:
1 - قول الكرخي الحنفي (?): "الاستحسان هو أن يعدل الإنسان عن أن يحكم في المسألة بمثل ما حكم به في نظائرها إلى خلافه؛ لوجه يقتضي العدول عن الأول" (?).
2 - وقال عنه ابن رشد: "الاستحسان الذي يكثر استعماله حتى يكون أعم من القياس، هو أن يكون طرد القياس يؤدي إلى غلو في الحكم ومبالغة فيه، فيعدل عنه في بعض المواضع لمعنى يؤثر في الحكم فيختص به ذلك الموضع" (?).