فيها سلف وإمام، كقول أحمد لبعض أصحابه: "إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام" (?).

فالجواب: أن هذا القول محمول على طلب استفراغ الوسع في معرفة كلام الأئمة والفحص عن أقوالهم قبل الاجتهاد، مع لزوم الورع وخشية الله والتحري قبل الحكم على النازلة، ولا ينبغي أن يحمل هذا على التوقف في البحث عن حكم الله من قبل الفقهاء والمجتهدين؛ إذ الفرض على غير المجتهدين سؤال المجتهدين، والفرض على المجتهدين بذل الوسع والجهد لتحصيل ظن بحكم شرعي، وإذا ضاق الوقت واحتيج إلى العمل فلا بد من النظر والترجيح بشرط التأهل واكتمال الآلة، والإحاطة بجوانب النازلة.

ومعلوم أن مجتهدي الحنابلة -فضلًا عن غيرهم- بحثوا مسائل ليس لهم فيها سلف، كما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رَحِمَهُمَا اللهُ، ولا مانع إذا بذل المجتهد وسعه في النازلة فلم يظهر له الحق، أو تكافأت لديه الأدلة، وعجز عن الترجيح أن يتوقف وأن يُحيل المسائل إلى من هو أعلم، ولا شك أن هذا يتأكد في النوازل؛ لعدم وجود اجتهاد من المجتهدين، وهو امتثال للنهي عن القول على الله بغير علم، قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169].

وقد بوَّب البخاري في الصحيح باب: "ما كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُسْئَل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول: لا أدري، أو لم يُجب حتى يتنزل عليه الوحي" (?).

وقد سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الروح فسكت حتى نزلت الآية (?)، ولما استأذن مرثد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015