لكان الفعل عامًّا في جميع الأوقات، ولا بد لما بعد الزوال من معنى لاحظه صاحب الشرع لم يكن موجودًا قبل الزوال، طردًا لقاعدة صاحب الشرع في رعاية المصالح، وهكذا كل أمر تعبدي، معناه أن فيه معنًى لم نعلمه، لا أنه ليس فيه معنى" (?).

ويرد على هذا أنه لا يلزم من كل أمر أو نهي تحصيل مصلحة للعباد؛ بل قد يقصد الشارع الحكيم الزجر والعقوبة لقيام مقتضاها من جهة المكلفين، قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 160 - 161].

فلا يمتنع أنه قد يحرِّم الرب ما لا مفسدة فيه؛ عقوبة لمخالفة أو حرمانًا للمخالفين (?).

وأخيرًا فإن المبالغة في التنقيب عن حِكَم المشروعيات بما لم تظهر دلالته من النصوص والأدلة الشرعية، لا سيما ما يظهر فيه وجه التعبد المحض، قد لا يخلو من تكلف.

يقول المقَّري -رحمه الله- (?): "التدقيق في تحقيق حِكَم المشروعية من مُلَح العلم لا متينه عند المحققين، بخلاف استنباط علل الأحكام وضبط أماراتها، فلا ينبغي المبالغة في التنقيب عن الحِكَمِ لا سيما فيما ظاهره التعبد" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015