(وقال أبو بكر الطرطوشي: أخبرني القاضي أبو الوليد الباجي، أن
الولاة كانوا بقرطبة إذا ولوا رجلاً شرطوا عليه في سجله ألا يخرج عن قول
ابن القاسم ما وجده. قال الشيخ أبو بكر: وهذا جهل عظيم منهم. يُريد
لأن الحق ليس في شيء معين، وإنما قال الشيخ أبو بكر هذا لوجود
المجتهدين وأهل النظر في قضاة ذلك الزمان - وعد جماعة منهم - ثم قال:
وهذا الذي ذكره الباجي ورد نحوه عن سحنون وذلك أنه ولى رجلاً القضاء،
وكان الرجل ممن سمع بعض كلام أهل العراق، فشرط عليه سحنون ألا
يقضي إلا بقول أهل المدينة ولا يتعدى ذلك. قال ابن راشد: وهذا يؤيد
ما ذكره الباجي ويؤيد ما قاله الشيخ أبو بكر. فكيف يقول ذلك، والمالكية
إذا تحاكموا فإنما يأتون ليحكم بينهم بمذهب مالك) . انتهى.
إيقاظ:
وأمام التعصب المذهبي، أخذ العلماء بتفنيد ذلك في تضاعيف
مؤلفاتهم، وفي مؤلفات مستقلة، منهم: ابن عبد البر في " جامعه "
والشاطبي في " الاعتصام " وابن القيم في " الإعلام " وشيخه في مواضع من
كتبه. وأبو شامة في كتابه " المؤمل في الرد إلى الأمر الأول " والشوكاني في
" القول المفيد " وشيخنا محمد الأمين الشنقيطي في كتابه " أضواء البيان في
إيضاح القرآن بالقرآن " والفلاني في " إيقاظ همم أولي الأبصار " وغيرها
كثير.
وإن هذه المؤلفات وما جرى مجراها هي في الجملة تفيد منع حمل
الناس على مذهب معين أو قول مقنن. والله أعلم.
و إنه لما صار التقنين في المجلة المذكورة صار دركةً أولى لحلول
القانون الفرنسي.