إلى أرض التُّرك أو العود إلى بلاد الهنود أو العنبر إلى البحر الأخضر وقد كانت تجري في مجلسه - آنسه الله - نُكَتٌ من أقاويل أئمَّة الأدب في أسرار اللغة وجوامعها ولطائفها وخصائصها مما لم يتنبَّهوا لجمع شمله ولم يتوصَّلوا إلى نظم عقده وإنما اتجهت لهم في أثناء التأليفات وتضاعيف التصنيفات لُمَعٌ يسيرة كالتوقيعات وفِقَرٌ خفيفة كالإشارات فيُلَوِّح لي - أدام الله دولته - بالبحث عن أمثالها وتحصيل أخواتها وتذييل ما يتّصل بها وينخرط في سلكها وكسر دفتر جامع عليها وإعطائها من النِّيقة1 حقها. وأنا ألوذ بأكناف المحاجزة2 وأحوم حول المدافعة وأرعى روض المماطلة لا تهاونا بأمره الذي أراه كالمكتوبات ولا أميّزه عن المفروضات ولكن تفاديا من قصور سهمي عن هدف إرادته وانحرافا عن الثقة بنفسي في عمل ما يصلح لخدمته إلى أن اتفقت لي في بعض الأيام التي هي أعياد دهري وأعيان عمري مواكبة القمرين بمسايرة ركابه ومواصلة السعدين بصلة جنابه في متوجِّهه إلى فيروزآباد إحدى قراه من الشاميات ومنها إلى خُدايداد عمَّرها الله بالدوام عمره فلما: [من الطويل]
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالت بأعناق المطيِّ الأباطحُ3
وعُدنا للعادة عند الإلتقاء في تجاذب أهداب الآداب وفتق نوافج4 الأخبار والأشعار أفضتْ بنا شجون الحديث إلى هذا الكتاب المذكور وكونه شريف الموضوع أنيق المسموع إذا خرج من العدم إلى الوجود. فأحلت في تأليفه على بعض حاشيته من أهل الأدب إذا أعاره - أدام الله قُدرته - لمحةً من هدايته وأدَّه بشعبة من عنايته فقال لي صدّق الله قوله ولا أعدم الدنيا جماله وطَولَه5 كما أذاق العِدا بأسه وصَولَه: إنك إن أخذت فيه أجدت وأحسنت وليس له إلا أنت فقلت له: سمعاً سمعا ولم أسْتَجِز لأمره دَفعا بل تقبَّلته باليدين ووضعته على الرأس والعين. وعاد - أدام الله تمكينه - إلى البلدة عَودَ الحَلي إلى العاطل6 والغيث إلى الرَّوض الماحِل فأقام لي في التأليف معالم أَقِفُ عندها وأقفوا حدَّها وأهاب7 بي إلى ما اتخذته قِبلة أُصلِّي إليها وقاعدة أبني عليها من التمثيل والتنزيل والتفصيل والترتيب والتقسيم والتقريب.