قال رحمه الله تعالى: [الحجامة خاصة حاجماً كان أو محجوماً] الحجامة معروفة، وهي استخراج الدم الفاسد إما بمص الحاجم، وإما بالآلة فقط، يعني: بأكواب يضعها على ظهره أو في موضع آخر، فالحجامة يُفطر بها الصائم في المشهور في المذهب، واستدلوا بما روى الخمسة إلا الترمذي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أفطر الحاجم والمحجوم) قالوا: هذا يدل على أن الحاجم والمحجوم يُفطران بالحجامة، قالوا: والعلة تعبدية، يعني: لا نفقه العلة بل العلة مجهولة عندنا، ولذا فالمشهور في المذهب أن الحاجم يُفطر ولو كان يحجم بالأكواب، لقوله: (أفطر الحاجم والمحجوم).
وأما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيرى أن العلة معقولة المعنى وليست تعبدية، قال: أما المحجوم فلأن بدنه يضعف بالحجامة، وأما الحاجم فإنما يُفطر إذا مص الآلة، وأما إذا كان يحجم بالكأس فقط -يعني: بالكوب- فإنه لا يُفطر بذلك، قال: فالعلة معقولة المعنى، فالذي يمص لا يأمن دخول الدم إلى جوفه، وأما الذي يحجم بالأكواب فقط فهذا لا يفطر؛ لأن الدم لم يصل إلى فيه بحيث يُخشى أن يدخل إلى جوفه.
وقال جمهور العلماء: بل الحجامة لا تُفطّر ولا يُفطر بها الصائم، واستدلوا بما جاء في صحيح البخاري (أن النبي عليه الصلاة والسلام احتجم وهو صائم) رواه البخاري في صحيحه، قال ابن عبد البر: لا اختلاف بين أهل العلم في صحته وثبوته، وقال ابن حجر: هذا الحديث لا نطعن فيه، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم، وهو من حديث ابن عباس وهو مذهب راويه، فقد ثبت في البخاري معلقاً أن ابن عباس رضي الله عنه قال: الفطر فيما دخل لا فيما خرج، قالوا: وأما حديث: (أفطر الحاجم والمحجوم) فهو منسوخ، ويدل عليه ما جاء في سنن الدارقطني بسند قوي أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (مر النبي عليه الصلاة والسلام على جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يحتجم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفطر هذان قال أنس: ثم رُخّص بعد في الحجامة للصائم) وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحجامة للصائم وعن المواصلة ولم يحرّمهما إبقاء على أصحابه.
وهذا هو القول الراجح، وأما حديث أفطر الحاجم والمحجوم فمنسوخ.
ومن العلماء من قال: إن قوله: (أفطر الحاجم والمحجوم) يعني: يئول أمرهما إلى الفطر؛ لأن المحجوم يضعف بدنه فيشق عليه الصوم، وأما الحاجم فإنه لا يؤمن -كما تقدم- من دخول الدم إلى جوفه فيفطر بذلك.
والمؤلف ذكر هنا الحجامة خاصة، وأما الفصد فإنه لا يُفطر به على المذهب، وكذلك جرح البدن بحيث يخرج الدم من غير أن تغور الآلة، فإذا جرح بدنه من غير أن تغور الآلة فإنه لا يُفطر بذلك، كذلك إذا أدخل أصبعه في أنفه فخرج الدم -وهو الرعاف- فإنه لا يُفطر بذلك، هذا على ما هو مشهور في مذهب الإمام أحمد.
وأما التبرع بالدم فهو من جنس الحجامة، فالقائلون بأن الحجامة تُفطّر يكون التبرع عندهم من جنسها، يعني: إخراج الدم الكثير من جنسها، وأما إخراج الدم من البدن بجرحه -كما يُفعل هذا لمريض السكري- فلا يُفطر به الصائم حتى على المشهور في المذهب؛ لأن الآلة لا تغور، أما إخراجه سحباً -بأن تدخل الآلة حتى تسحب الدم- فهذا -على المشهور في المذهب- يُفطر به الصائم؛ لأن الآلة تغور، والذي يترجح -كما تقدم وهو قول الجمهور- أن الصائم لا يُفطر بذلك.
ونقف عند هذا القدر، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.