ضيقة، وبضحايا يسيرة، وظل يحاصرهم خمس عشرة ليلة. ثم بدا له أن يدعهم وشأنهم، وأشار على المسلمين بذلك، فرغبوا أولا في إطالة حصارها حتى تفتح عليهم، ثم نزلوا أخيرا على رأيه.
وروي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار نوفل بن معاوية فقال: «يا نوفل! ما ترى في المقام عليهم؟» فقال: يا رسول الله! ثعلب في جحر، إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرّك (?) ! فأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب: أن يؤذّن في الناس بالرحيل (?) .
فلما قفلت بهم المطايا، قالوا: يا رسول الله! أحرقتنا نبال ثقيف، فادع الله عليهم فقال: «اللهم اهد ثقيفا» (?) !.
ولم يطل بقاء ثقيف على شركها، فما هي إلا شهور قلائل حتى أرسلوا وفدهم إلى المدينة يخبر النبي صلى الله عليه وسلم برغبتهم في الإسلام، وانفساح قلوبهم له.
عاد المسلمون من الطائف إلى مكة، لا ليعاودوا المقام فيها بعد أن فتحها الله عليهم، بل لينظّموا أمورها ثم يرتحلوا إلى مهجرهم الخالد ...
إن صلتهم بالمدينة أضحت من العمق والقوة بحيث لا يرجحها وطن قديم ولا ذكريات عزيزة.
روي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة ودخلها قام على الصفا يدعو، وقد أحدقت به الأنصار فتهامسوا فيما بينهم: أترون رسول الله إذ فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم بها؟ فلمّا فرغ من دعائه قال: «ماذا قلتم؟» قالوا: لا شيء يا رسول الله! فلم يزل بهم حتى أخبروه، فقال: «معاذ الله، المحيا محياكم، والممات مماتكم!» (?) .