إنها سنة الله تعالى إذن في رسله أن يبعث الرسول في منعة من قومه، وأن يكون من بيت حسب ونسب وشرف. وشاءت إرادته تعالى أن يحوز محمد عليه الصلاة والسلام الشرف كله في المخلوقات ثم الشعوب ثم القبائل ثم البيوت ثم النفوس. فهو أشرف مخلوق في هذا الوجود.
ومن أجل هذا رأينا المرحلة المكية كلها والتي استمرت ثلاثة عشر عاما، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحياها في منعة من قومه وعشيرته الأدنين، من بني هاشم والمطلب، بينما وقف بنو عبد شمس وبنو نوفل على الحياد، وهما من بني عبد مناف، وخاضت قريش بعدها الحرب ضد النبي - صلى الله عليه وسلم -، لكنها لم تتمكن من النيل منه وهو في هذه الأرومة.
وأشد ما رأينا من كيد قريش يوم كتبوا الصحيفة القاطعة الظالمة:
تعاقدوا فيها على (ألا يناكحوا بني هاشم وبني عبد المطلب ولا يبايعوهم ولا يكلموهم لا يجالسوهم حتى يسلموا إليهم محمدا - صلى الله عليه وسلم - (?).
فماذا كان الموقف؟ وماذا فعلت العصبة القبلية؟
«انحازت بنو هاشم وبنو عبد المطلب مؤمنهم وكافرهم ليلة هلال المحرم سنة سبع من النبوة- إلا أبا لهب وولده فإنهم ظاهروا قريشا على بني هاشم- فصاروا في شعب أبي طالب محصورين مضيقا عليهم أشد التضييق نحوا من ثلاث سنين، وقد قطعوا عنهم الميرة والمادة فكانوا لا يخرجون إلا من موسم إلى موسم حتى بلغهم الجهد، وكان حكيم بن حزام (?) بن خويلد تأتيه العير تحمل