والتتار الذين زحفوا من الشرق ليحاربوا الإسلام ويقضوا عليه - بإيحاء من اليهود والصليبيين من أهل دار الإسلام - قد تأثروا بالعقيدة الإسلامية في النهاية، وحملوها لينشروها في رقعة من الأرض جديدة، وليقيموا عليها خلافة ظلت من القرن الخامس عشر إلى القرن العشرين في أوربا .. وعلى أية حال فالتاريخ البشري كله - منذ وقعة بدر - متأثر بهذا الفرقان في أرض الإسلام، أو في الأرض التي تناهض الإسلام على السواء.
(ج) وكانت فرقانا بين تصورين لعوامل النصر وعوامل الهزيمة، فجرت - وكل عوامل النصر الظاهرية - في صف المشركين، وكل عوامل الهزيمة الظاهرية في صف العصبة المؤمنة، حتى لقال المنافقون والذين في قلوبهم مرض: غر هؤلاء دينهم .. وقد أراد الله أن تجري المعركة على هذا النحو، وهي المعركة الأولى بين الكثرة المشركة والقلة المؤمنة - لتكون فرقانا بين تصورين وتقديرين لأسباب النصر والهزيمة ولتنتصر العقيدة القوية على الكثرة العددية وعلى الزاد والعتاد، فتبين للناس أن النصر للعقيدة الصالحة القوية، لا لمجرد السلاح والعتاد، وأن أصحاب العقيدة الحقة عليهم أن يجاهدوا ويخوضوا غمار المعركة مع الباطل غير منتظرين حتى تتساوى القوى المادية الظاهرية، لأنهم يملكون قوة أخرى ترجح الكفة، وأن هذا ليس كلاما يقال، إنما هو واقع متحقق للعيان ..) (?).