كانت القبائل تقف على الحياد، من معركة داخلية بين قريش وبعض أبنائها، حتى ترى ماذا كون مصير الموقف .. ففي مثل هذه الحالة قد تنتهي المعركة المحدودة إلى قتل المجموعة المسلمة القليلة - حتى ولو قتلوا هم أضعاف من سيقتل منهم - ويبقى الشرك، وتنمحي الجماعة المسلمة ولم يقم في الأرض للإسلام نظام، ولا وجد له كيان واقعي، وهو دين جاء ليكون منهج حياة، وليكون نطاما واقعيا عمليا للحياة.

(ز) في الوقت ذاته لم يكن هناك ضرورة قاهرة ملحة، لتجاوز هذه الاعتبازت كلها، والأمر بالقتال ودفع الأذى، لأن الأمر الأساسي في هذه الدعوة كان قائما - وقتها - ومحققا .. هذا الأمر الأساسي هو ((وجود الدعوة)) .. وجودها في شخص الداعية (ص)، وشخصه في حماية سيوف بين هاشم .. فلا تمتد إليه يد إلا وهي مهددة بالقطع! والنظام القبلي السائد يجعل كل قبيلة تخشى أن تقع في حرب مع بني هاشم! إذا هي امتدت يدها إلى محمد (ص)، فكان شخص الداعية من ثم محميا حماية كافية وكان الداعية يبلغ دعوته - إذن - في حماية سيوف بني هاشم ومقتضيات النظام القبلي. ولا يكتمها ولا يخفيها، ولا يجرؤ أحد على منعه من إبلاغها وإعلانها، في ندوات قريش في الكعبة، ومن فوق جبل الصفا وفي اجتماعات عامة، ولا يجرؤ أحد على سد فمه، ولا يجرؤ أحد على خطفه وسجنه أو قتله، ولا يجرؤ أحد على أن يفرض عليه كلاما بعينه يقوله، يعلن فيه بعض حقيقة دينه، ويسكت عن بعضها، وحين طلبوا منها أن يكف عن سب آلهتهم وعيبها لم يكف، وحين طلبوا منه أن يسكت عن عيب دين آبائهم وأجدادهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015