ليخلص من شخصه، ويتجرد من ذاته، ولا تعود ذاته، ولا من يلوذون به محور الحياة في نظره، ودافع الحركة في حياته، وتربيه كذلك على ضبط أعصابه، فلا يندفع لأول مؤثر - كما هي طبيعته - ولا يهتاج لأول مهيج، ليتم الاعتدال في طبيعته وحركته .. وتربيته على أن يتبع منهجا منظما له قيادة يرجع إليها في كل أمر من أمور حياته، ولا يتصرف إلا وفق ما تأمره - مهما يكن مخالفا لمألوفه وعادته - وقد كان هذا هو حجر الأساس في إعداد شخصية العربي لإنشاء ((المجتمع المسلم)) الخاضع لقيادة موجهة، المترقي المتحضر غير الهمجي أو القبلي.

(ب) وربما كان ذلك أيضا لأن الدعوة السلمية أشد أثرا وأنفذ في مثل بيئة قريش، ذات العنجهية والشرف، والتي قد يدفعها القتال معها - في مثل هذه الفترة - إلى زيادة العناد، وإلى نشأة ثارات دموية جديدة، كثارات العرب المعروفة، التي أثارت حرب داحس والغبراء، وحرب البسوس - أعواما طويلة تفانت فيها قبائل برمتها - وتكون هذه الثارات الجديدة مرتبطة في أذهانهم وذكرياتهم بالإسلام، فلا تهدأ بعد ذلك أبدا، ويتحول الإسلام إلى ثارات وذحول تنسى معه فكرته الأصلية، وهو في مبدئه فلا تذكر أبدا.

(ج) وربما كان ذلك أيضا اجتنابا لإنشاء معركة داخل كل بيت فلم تكن هناك سلطة نظامية عامة هي التي تعذب المؤمنين وتفتنهم، إنما كان ذلك موكولا إلى أولياء كل فرد يعذبونه هم ويفتنونه (ويؤدبونه) ومعنى الإذن في القتال - في مثل هذه البيئة - أن تقع معركة ومقتلة في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015