والشباب المسلم والمرآة المسلمة، إنما تتمثل فيهم خصائص الجيل الأول حين يكونون على المستوى المطلوب في الطاعة والانضباط، والانقياد لأمر أولي أمرهم دون أن يجمح بهم الغرور، ويتنطعوا لغير مواقعهم، فيفسدوا جهدهم وجهادهم، وينقضوا البناء بدل أن يساهموا فيه كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
...
وبودع العهد المكي بهذا المنظر المثير الذي ينقله لنا الطفل العظيم أنس بن مالك، وذلك حين حل رسول الله (ص) في ربوع المدينة. قال:
(إني لأسعى في الغلمان يقولون: جاء محمد، فأسعى ولا أرى شيئا، ثم يقولون جاء محمد، فأسعى ولا أرى شيئا .. حتى جاء رسول الله (ص) وصاحبه أبو بكر، فكمنا في بعض خراب المدينة، ثم بعثا رجلا من أهل البادية يؤذن بهما الأنصار، فاستقبلهما زهاء خمسمائة من الأنصار حتى انتهوا إليهما، فقالت الأنصار: انطلقا آمنين مطاعين. فأقبل رسول الله (ص) وصاحبه بين أظهرهم، فخرج أهل المدينة حتى أن العواتق لفوق البيوت يتراءينه، يقلن: أيهم هو؟ أيهم هو؟ فما رأينا منظرا شبيها به.
قال أنس: فلقد رأيته يوم دخل علينا، ويوم مضى، ويوم قبض، فلم أر يومين أشبه بهما) (?).
وفي رواية الإمام أحمد: فما رأيت يوما قط أنور ولا أحسن من يوم دخل رسول الله (ص) وأبو بكر المدينة (?).