إن الأمين سيكذب، ولا يكتفى بتكذيبه، بل سيؤذى فوق ذلك، وهدأت نفس النبي (ص) للأذى لكنه فوجيء أن سيكون الإخراج له من أحب أرض الله إليه .. من مكة المكرمة .. وأكد له ورقة أنه خط ثابت لأصحاب الدعوات لا مناص منه .. فما جاء أحد بما جئت به إلا عودي .. {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكنكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد} (?).
فلا بد أن يوطن الداعية نفسه على الصبر على مشاق الطريق، وتحمل تبعاته، وأن يعلم أن هذا الدين، وإن كان يمثل الفطرة السوية للبشر، لكنه يتعارض مع أهوائهم ومصالحهم وطغيانهم، ولن يدع الطغاة للدعاة الطريق مفروشا بالرياحين، بل بملؤونه بالدماء والأشلاء والآلام، ومهمة الداعية أن يقتلع هذه الأشواك، ويواجه المحن مهما اكتظت والخطوب مهما ادلهمت، لأنه وضع نفسه على خطا النبيين، ولا بد أن يكوين على مستوى المسئولية:
وإذا النفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام