حتى أصبح محط أنظار مجتمعه، وصار مضرب المثل فيهم، حتى ليلقبوه بالأمين. وتهفو قلوب الرجال والنساء إليه على السواء- رغم العجيج الفارغ للمتبذلين والفاسقين- يعطينا صورة حية عن قيمة الأخلاق في المجتمع، وعن احترام صاحب الخلق ولو في المجتمع المنحرف.

وهذه المقدمات هي التي مكنت الرسول - صلى الله عليه وسلم - من إيقاف حرب مدمرة في قومه من خلال التحكيم في وضع الحجر الأسود، فقد اغتبط الجميع أن كان الداخل الأمين، وأعلنوا رضاءهم بحكمه قبل أن يصدر حكمه لثقتهم بنزاهته، وتجرده وموضوعيته.

كيف استطاع بعبقريته - صلى الله عليه وسلم - أن يطرح بهذه البداهة والحكمة والحزم فكرة وضع الحجر في الثوب، ومساهمة الجميع في حمله وتشرفهم في وضعه في مكانه.

لقد كان جزءا من قومه حين وقع الاعتداء عليهم، فدافع عنهم، ورمى بأسهم وأنبل لأعمامه في حرب الفجار.

وكان جزءا من قومه يوم شارك في عقد حلف الفضول وأن يكونوا يدا واحدة على الظالم، وحمى قومه من حرب عنيفة قد تأكل الأخضر واليابس، وأحل الوئام مكان الخصام، وغدا قلب مجتمعه، وصاحب السيادة فيه.

ولا بد أن يكون الداعية في مجتمعه إذن إيجابيا فاعلا، يفتقده الناس إذا غاب، ويصغون له ويطيعونه إذا حضر، لا أن يكون رقما من الأرقام على هامش الأحداث في بيئته ومجتمعه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015