واحد من: معاذ ابن عفراء، ومعاذ بن عمرو بن الجموح في أبي جهل: "أخبرت أنه يسب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منَّا" وشدا عليه مثل الصقرين فقتلاه غضبا لله ولرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ولا شك أن الغضبَ نوعان: غضب مذموم وهو الذي قال فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» (?) وهو الذي أوصى بالابتعاد عنه لمن قال: «أوصني يا رسول الله"، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تغضب» وردد مرارا «لا تغضب» (?) أما النوع الثاني من أنواع الغضب فهو الغضب المحمود، الذي يكون من أجل الله عندما ترتكب حرماته أو تترك أوامره ويستهان بها، وهذا من علامات قوة الإِيمان، ولكن بشرط أن لا يخرج هذا الغضب عن حدود الحكمة، وقد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغضب لله إذا انتهكت محارمه، وكان لا ينتقم لنفسه، ولكن إذا انتهكت محارم الله لم يقم لغضبه شيء، ولم يضرب خادما، ولا امرأة، إلا أن يجاهد في سبيل الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد خدمه أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عشر سنوات، «فما قال له: أفٍّ قط، ولا قال له لشيء فعله: لمَ فعلت كذا؟ ولا لشيء لم يفعله: ألا فعلت كذا؟» (?) وهذا في الحقيقة هو عين الحكمة؛ لأن هذا الغضب لم يخرج عن حدود الحكمة التي هي في الحقيقة: الإِصابة في القول والفعل، كما قال مجاهد رحمه الله: "الحكمة: الإصابة" (?) كما رجح ذلك الإِمام ابن جرير رحمه الله في قوله عزَّ وجلَّ: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] قال: "تأويل الكلام: يؤتي الله إصابة الصواب في القول والفعل من يشاء، ومن يؤته الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015