المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك " (?).

فالداعية ينبغي أن لا يتخذ الدنيا وطنا ومسكنا، فيطمئن فيها، ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر، يُهيئ جهازه للرحيلِ؛ لأن الآخرة هي دار القرار، قال الله تعالى حاكيا عن مؤمن آل فرعون أنه قال: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر: 39] (?)؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما لي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها» (?) فالمؤمن وخاصة الداعية إلى الله ينبغي له أن يكون في الدنيا على أحد حالين:

الحالة الأولى: أن ينزل نفسه كأنه غريب في الدنيا يتخيّلُ الإِقامة لكن في بلد غربة، فهو غير متعلق القلب ببلد الغربة، بل قلبه متعلق بوطنه الذي يرجع إليه، وإنما هو مقيم في الدنيا؛ ليقضي بقية جهازه حتى يرجع إلى وطنه، ومن كان كذلك في الدنيا فلا هم له في الحقيقة إلا في التزود بما ينفعه عند عودته إلى وطنه، فلا ينافس أهل البلد الذي هو غريب بينهم في عزهم، ولا يجزع من الذل عندهم. والمؤمن في الدنيا غريب؛ لأن الجنة هي وطنه الأول أخرجه منه إبليس، فهو يتزود بما يبلغه المحل الأعلى، كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله:

فحيَّ على جنات عدن فإنها ... منازلنا الأولى وفيها المخيم

ولكننا سبي العدوّ فهل ترى ... نعود إلى أوطاننا ونسلم

وقد زعموا أن الغريب إذا نأى ... وشطت به أوطانه فهو مغرم

وأي اغتراب فوق غربتنا التي ... لها أضحت الأعداء فينا تحكم (?).

الحالة الثانية: أن ينزل الداعية نفسه في الدنيا كأنه مسافر غير مقيم ألبتة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015